أتبيعونها ، وهي لكم شغاف ولم يزد على ذلك ، أو نحو من هذا الكلام » (١).
ولو تجاوزنا حدود العلماء والنقاد العرب ، إلى القادة والسلف الصالح لوجدنا الأمر متميزاً في احترام النص القرآني ، ومحاطاً بهالة متألقة من التقديس ، فلقد قال الإمام علي عليهالسلام مجاهراً : « وكتاب الله بين أظهركم ناطق لا يعيا لسانه وبيت لا تهدم أركانه ، وعز لا تهزم أعوانه » (٢).
وهو تعبير حي عن حماية القرآن وصيانته ، وتبيان لحجج القرآن ودلالته.
وقد كان عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) ـ وهو من الفصاحة في ذروة السنام والغارب ـ يقرأ قوله عزّ وجلّ : ( وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) ) (٣) فلا يعرفه فيراجع نفسه ويقول : ما الأبّ ؟ ثم يقول : إن هذا تكلف منك يا ابن الخطاب » (٤).
وكان ابن عباس رحمهالله وهو ترجمان القرآن ووارث علمه يقول : لا أعرف حناناً ولا غسلين ولا الرقيم (٥).
ولا يعني التحرج في كشف الدلالة القرآنية عدم وضوح الرؤية ، أو انعدام المراد بل على العكس أحياناً ، فقد أجمع النقاد على سلامة النظم القرآني ، وتواضعوا على إعجازه ، بل اعتبروا استعمال القرآن لأفصح الألفاظ بأحسن المواقع متضمنة أسلم المعاني وأعلى الوجوه دلالة ، من مخائل الإعجاز القرآن ، حتى أوضح الخطابي ( ت : ٣٨٨ ه ) هذا العلم بقوله : « واعلم أن القرآن إنما صار معجزاً لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف متضمناً أصح المعاني » (٦).
________________
(١) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : ٣٤.
(٢) ظ : ابن أبي الحديد ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢٧٣.
(٣) سورة عبس : ٣١.
(٤) الخطابي ، بيان إعجاز القرآن : ٣٦.
(٥) المصدر نفسه : ٣٦.
(٦) المصدر نفسه : ٢٧.