أصالة
البحث الدلالي عند العرب :
ولا تحسبن أن المحدثين قد أتوا بجديد
محض ، أو ابتكروا ما لم يكن ، أو بحثوا ما لم يسبق إليه فالأمر قد يكون على العكس
هنا ، ذلك أذا لاحظنا جهود السابقين من علماء العرب والمسلمين الذين أشاروا لجمل
من الموضوع أو كتبوا في دلالته أو كشفوا عن سماته ، فكوّنوا بذلك ركائزه الضخمة
وحققوا مزية الاكتشاف العلمي.
إن وضع اللبنات الأولى لهذا التخطيط ،
قد يعتبر سبقاً إلى الموضوع وابتكاراً متقصداً لمفرداته ، وتأصيلاً متميزاً
لمصطلحه ، مهما كان التعبير عنه متفاوتاً في الصيغ الإدائية لقد ذهب جملة من
علمائنا القدامى إلى وجود مناسبة طبيعية بين اللفظ ومدلوله ، فالألفاظ عندهم لم
تنفصل عن دلالاتها الصوتية في كثير من الأحيان ، كما لم تتخلَ عن المعاني الدالة
عليها نقدياً وبلاغياً ولغوياً في شتى الوجوه المرتبطة بها عند الإطلاق .
إن هذه المدرسة المتفوقة الإدراك لم
تتأصل فجأة ، ولم تتبلور معطياتها الجمالية بغتة ، وإنما عركها الزمن في تطوره من
خلال الأخذ والرد وتقلب أيدي الفطاحل من العلماء الناقدين ، فأتت مختمرة الأبعاد
وإن عبر عنها بشكل وآخر، إلا أننا نرصدها هنا وهناك بعد جهد وعناء ، حتى تتكامل
الرؤية الحقيقية لهذه المكنونات المجتزأة في إشارة عابرة حيناً ، وفي إفادة عامة
حيناً آخر ، وبين طيّات تلك الكتب التي يصور هدفها الأولي مراداً معيناً قد يختلف
عما نحن بصدد إبرازه إلى العيان ، وليس اكتشاف هذه الشذرات أمراً هيناً. ولكنه بطبيعة
البحث العلمي عناء متراكم تتولد عنه
________________