والواقع ان بطارقة ارمينية كانوا شبه مستقلين في اماراتهم. فاذا قدم عليهم وال داروه فان رأوا منه عفة وصرامة وكان في قوة وعدة اذعنوا له بالطاعة وأدوا الخراج ، والا طمعوا فيه واستخفوا بأمره (١). كما ان القسوة المتناهية التي كان يلجأ اليها قواد الحملات العسكرية التي توجه لاخضاع العصاة كاحراق المدن والامعان في تقتيل السكان وسبيهم ، كانت تولد رد فعل لدى سكان تلك المناطق فيزدادون بغضا للسلطة وبعدا عنها ، ويبادرون الى مناصرة كل من يناهضها ، انتقاما لما أصابهم. ولذلك يلاحظ ان حركات التمرد في المناطق المذكورة قلت كثيرا وكادت تتلاشى عند ما شغلت الدولة بمقاومة حركة الزنج ، اذ انصرفت بكل جهودها للقضاء عليها. مما ترك للبطارقة الحرية الكاملة في ادارة شؤونهم ، ولذا لم يكن ثمة ما يدعوهم الى التمرد والعصيان.
٧ ـ فتن الخوارج :
كان جمهور الخوارج بدوا تغلب عليهم نزعة المساواة ، ولذا لم يختصوا قبيلة أو فخذا بالخلافة ، بل قالوا بترشيح كل مسلم لها ، وان يختار لها أفضل الناس بانتخاب الامة كافة (٢). ويذكر الشهرستاني ان عدد فرقهم الرئيسة ثمانية ، وقد تشعبت بحيث أصبحت خمسا وعشرين فرقة ، يجمعها كلها وجوب الخروج على الامام اذا غير السيرة وعدل عن الحق (٣). وهم لا يقرون مبدأ الوراثة أو التفويض ولذلك اعتبروا الخلفاء الامويين جائرين يجب الخروج عليهم ، لانهم لم تختارهم الامة.
وكان رأي الخوارج في الخلفاء العباسيين لا يختلف عن رأيهم في الخلفاء الامويين ، فانهم لا يرونهم صالحين للخلافة لانهم لم
__________________
(٥٥) فتوح البلدان / ٢١٢.
(٥٦) النظم الاسلامية للدوري / ٨٧ ـ ٨٨.
(٥٧) الملل والنحل ١ / ١١٥.