فلما عاد أبو حرب
شكت اليه الأمرأة سوء معاملة الجندي التركي ، لأن العرب لم يألفوا نزول الجند قسرا
في بيوتهم. فاخذ سيفه وبحث عن الجندي ، فوجده وقتله. ثم هرب من ملاحقة السلطة وقصد
أحد جبال الاردن وأقام مختفيا. وقد جعل على وجهه برقعا لئلا يعرف . وكان يظهر في النهار متبرقعا ، فاذا جاءه أحد أمره
بالمعروف ونهاه عن المنكر ، فاذا استجاب له ذكر الخليفة وما يأتيه من الاعمال
القبيحة ويعيبه عليها . فاستجاب له جماعة من فلاحي تلك الناحية والقرى القريبة
منها ، رغبة في التخلص من أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية السيئة.
وزعم المبرقع انه
أموي ، ولعل ذلك كان سبب تخوف السلطة من توسع دعوته ، لا سيما اصحابه زعموا انه
السفياني . وكان ممن استجاب الى دعوته جماعة من رؤساء اليمانية
انتصارا له وعصبية لانه من اليمانيين ، منهم زعيم يقال له بيهس وكان مطاعا فيهم ،
ورجلان آخران من أهل دمشق . مما جعل الخليفة المعتصم بالله يهتم بأمره ، فسير اليه
القائد رجاء الحضارى في زهاء الف من الجند. فلما اتاه رجاء وجد جماعته يزيدون على
مائة ألف ، فتحاشى الاصطدام بهم. ولقلة خبرة المبرقع العسكرية فانه لم يبادر الى
مهاجمة الجيش الذي قدم لتأديبه. وقد عسكر رجاء بعيدا عنه واخذ يشاغله ويطاوله حتى
آن وقت الزرع فانصرف من كان مع المبرقع من الفلاحين الى أراضيهم ، ولم يبق معه الا
قرابة الالفين. ونظرا لقلة معرفتهم بشؤون الحرب فقد استطاع رجاء الحضاري ان يفل
جمعهم بسهولة. ويقول مسكويه : فتأمل رجاء عسكر المبرقع فلم يجد فيه من له فروسية
غيره ، فقال لاصحابه لا
__________________