وحدث البحتري انه اتفق مع أبي معشر المنجم على زيارة المعتز بالله لما حبسه المستعين بالله ، والتودد اليه أملا في أن يحسن اليهما اذا ما آل الأمر اليه. فتوصلا حتى لقياه في حبسه ، فانشده البحتري أبياتا من الشعر كان قالها في القائد العربي محمد بن يوسف الثغري لما حبس. فاخذ المعتز بالله الرقعة التي بها الابيات ، وطلب الى خادم له ان يحفظها لديه ويذكره بها ان فرج الله عنه ليقضي حق الشاعر. وأخذ أبو معشر طالع المعتز وقت عقد له بالعهد ، ووقت مبايعة المستعين بالله ، ونظر في ذلك ، وحكم له بالخلافة بمقتضى الطالع بعد فتنة وحروب ، وان المستعين بالله سيقتل. ولما بويع للمعتز بالله دخل اليه البحتري وابو معشر ، فانشده البحتري قصيدة مدحه بها وهنأه بالخلافة وهجا المستعين بالله ، منها :
يجانبنا في الحب من لا نجانبه |
|
ويبعد عنا في الهوى من نقاربه |
وكيف رأيت الحق قر قراره |
|
وكيف رأيت الظلم آلت عواقبه |
وهي قصيدة طويلة ذكرنا بعضا آخر من أبياتها في فصل سابق. وقد استعاده المعتز بالله أبياتها مرارا فاعادها. ثم دعا بالخادم الذي كان معه في الحبس وطلب الرقعة التي فيها الشعر الذي انشده البحتري في الحبس ، وقال للبحتري انه قد أمر له بألف دينار لكل بيت منها ، ونصحه بأن يشتري بهذا المال ضيعة ينتفع بغلتها وتبقى لولده من بعده. وأمر لأبي معشر بألف دينار ، وجعله رئيس المنجمين في دار الخلافة ، وأجرى له في كل شهر مائة دينار رزقا وثلاثين دينارا نزلا (١).
__________________
(٤٣) مفصل القصة في : الفرج بعد الشدة ١ / ٩٣ ـ ٩٥.