قال : رأيت كأن الشمس والقمر دخلا علي وأنا جالس في بهو فقعد احدهما على كتفي الايمن والاخر على كتفي الايسر ، فانتبهت لجزعي منهما. قال المفسر : اقرأ «لا اقسم بيوم القيامة» فقرأها حتى بلغ «جمع الشمس والقمر يقول الانسان يومئذ أين المفر» (١). فاخذته رعدة وزمع ـ والزمع رعدة تعترى الانسان ان هم بأمر ـ فما مضت عليه ثلاثة حتى قبض عليه (٢). واذا صحت هذه الرواية فهي دليل على ما كان يشغل بال الافشين من الخروج عن الخليفة واحتمال فثل حركته وما يترتب على ذلك من وقوعه بأيدي الخليفة وقتله ، مما أظهره عقله الباطن بهذه الرؤيا المرعبة.
محاكمة الأفشين :
أوكل المعتصم بالله الى مجلس خاص مؤلف من وزيره محمد بن عبد الملك الزيات وكبير قضاته أحمد بن أبي دواد ، وخليفته ببغداد اسحاق بن ابراهيم المصعبي ، وعدد من القضاة والفقهاء ، ليتولى محاكمة الافشين. ولما كان العباسيون قد أقاموا خلافتهم على أساس ديني واتخذوا الدين وسيلة لتثبيت سلطانهم ، وضرب من يخرج عليهم ، اذ انهم مزجوا الدين بالسياسة بحيث يعتبر الخروج على الخلافة جريمة دينية تنطوي على الكفر ، فقد حاول المجلس المذكور حشد ما اعتبر من المخالفات الدينية التي قام بها الافشين والتي اذا ما ثبتت عليه كانت كافية لادانته بالكفر والزندقة وانه لم يسلم حقيقة ، والحكم عليه بالموت بموجب أحكام الشريعة الاسلامية.
عقد المجلس المذكور للمحاكمة واحضر الافشين. كما احضر الشهود وهم مازيار حاكم طبرستان ، والموبذ ، والمرزبان بن
__________________
(١١٦) سورة القيامة ، الايات ١ ـ ١٠.
(١١٧) الهفوات النادرة / ١٨٥ ـ ١٨٦.