مثل هذا السلوك ، وهو الشرب واللهو جهارا أمام الناس هو رغبته في التنفيس عما كان يقاسيه من آلام نفسية بسبب شعوره بالذنب من جراء اشتراكه في التآمر على أبيه.
٢ ـ المستعين بالله والشعراء والندماء :
كان عهد الخليفة المستعين بالله مفعما بالأحداث. فقد توالت هجمات الروم على الثغور العربية خلال السنة الأولى من حكمه ، واشتد الصراع والتنافس بين القواد الأتراك انفسهم من جهة ، وبينهم والخليفة من جهة أخرى ، لا سيما عند ما قتل القائد او تامش الموالي للخليفة. وخرج في السنتين التاليتين بعض الزعماء الطالبيين في الكوفة وطبرستان. وعند ما قتل القائد باغر التركي اشتد الخلاف بين القواد الاتراك ، مما اضطر المستعين بالله على مغادرة العاصمة سامرا والانحدار الى بغداد مع مناصريه من القواد الاتراك. وتلى ذلك خلعه ومبايعة المعتز بالله بدلا عنه في سامرا. ثم نشوب الحرب بين جيش المعتز بالله وجيش المستعين بالله وانتهائها بتنازل المستعين بالله عن الخلافة.
وهكذا كانت المدة التي أمضاها المستعين بالله في الخلافة مليئة بالاضطرابات والحروب ، مما جعله يصرف كل وقته وجهوده في مجابهتها. ولم يبق له متسع ليستمع الى المغنين والشعراء ، او يتمتع بمجالسة الندماء ، الا في النزر اليسير.
كان المستعين بالله حسن المعرفة بايام العرب واخبارهم. قال أبو البيضاء مولى جعفر الطيار ، وكان من الرواة : وفدنا في أيام المستعين بالله من المدينة الى سامرا ، وفينا جماعة من الطالبيين وغيرهم من الانصار. فاقمنا ببابه نحوا من شهر ، ثم وصلنا اليه. وتكلم كل منا فأنس الخليفة بنا وابتدأ يذكر مكة والمدينة واخبارهما. وكنت أعرف الجماعة بما شرع فيه فقلت : أيأذن