وسأل بنان بن عمرو فصنع فيه لحنا وغنى به المنتصر بالله ، فلما سمعه سأل عن قائله. فقيل له انه لمروان بن أبي حفصة.
قال : أما الوصول الي فلا سبيل اليه ، ولكن أعطوه عشرة آلاف درهم يتحمل بها الى اليمامة (١). فكأن ابن أبي حفصة سعى الى حتفه بنفسه ، اذ جعل المنتصر بالله يتذكره ويأمر بنفيه الى اليمامة. وكان سبب غضبه عليه ان ابن ابي حفصة كان يتقرب الى المتوكل على الله بما يصنعه من شعر يهجو به آل أبي طالب ، وذلك ما لم يكن يرتضيه المنتصر بالله ، مما احفظه عليه.
وروى عن يزيد المهلبي انه قال : غنى بنان بن عمرو يوما في مجلس المنتصر الصوت الآتي :
يا ربة المنزل بالبرك |
|
وربة السلطان والملك |
تحرجي بالله من قتلنا |
|
لسنا من الديلم والترك |
فضحكت. فقال لي المنتصر بالله : مم ضحكت؟ قلت : من شرفه قائل هذا الشعر ، وشرف من عمل اللحن فيه ، وشرف مستمعه. قال : وما ذاك؟ قلت : الشعر فيه للرشيد ، والغناء لعلية بنت المهدي ، وأمير المؤمنين مستمعه. فاعجبه ذلك ، وما زال يستعيده (٢).
وكان المنتصر بالله يستهتر احيانا في لهوه وعبثه. فقد أراد أن يشرب يوما في الزقاق علانية أمام الناس ، فوافوا من كل جهة ليروه. ثم سار الى شاطىء دجلة وتوقف عنده ، فصرف الناس. واختلى بالندماء والمغنين ومن يصلح للأنس والخدمة (٣). ولعل ما دفعه الى
__________________
(١٥) الاغاني ٢٣ / ٢٠٥ ، ومروج الذهب ٤ / ١٣٠.
(١٦) الاغاني ١٠ / ١٦٨.
(١٧) بقية المسامرة في مروج الذهب ٤ / ١٥٦ ـ ١٥٨.