يمكن الاستنتاج من هذا ان الافشين كان يخطط لحركة انفصالية يقوم بها في منطقته التي يدين اهلها بالولاء له ولعائلته. وتمهيدا لذلك تطلع الى ولاية خراسان فكاتب مازيار وهو حاكم طبرستان ، وكان يتفق معه في أهدافه ، يغريه بالتمرد على عبد الله بن طاهر ويشجعه على الانتقاض على الخلافة العباسية. وازاء هذا كله ليس من الغريب ان يتغير الخليفة على كبير قواده ، ويتوجس منه الانتقاض وشق عصا الطاعة. كما ان الافشين شعر بتغير الخليفة عليه ، فعزم على ان يحتال للهرب قبل أن ينكشف أمره. فدبر أمر هروبه بطريق الموصل الى أرمينية ، كان المعتصم بالله قد ولاه عليها ، ومن هناك يعبر الى بلاد الخزر ثم يتجه صوب أشروستة (١). وقد اختار هذا الطريق للوصول الى بلده تمويها للآخرين. الا ان الهرب تعسر عليه لكثرة العيون التي كانت تراقب حركاته. فعزم على ان يفتك بالخليفة وكبار قواده بوليمة يدعوهم اليها ويدس لهم السم في الطعام فيقضي عليهم جميعا. وحتى اذا تعذر حضور الخليفة الى وليمته فانه سيتخلص من كبار القواد الموالين له امثال ايتاخ واشناس ، مما يسهل له أمر الوثوب ، وقد أخذ يهيء لذلك. الا ان أحد قواده وهو واجن الاشر وسني علم بنواياه فاستنكرها فتهدده الافشين. فبادر واجن الى اعلام الخليفة بما عنده من نوايا الافشين وما عزم على القيام به. فوجه المعتصم بالله حاجبه محمد بن حماد بن دنقش يدعو الافشين اليه. فجاء الافشين في سواد ، فأمر الخليفة بأخذ سواده وحبسه في الجوسق. وكتب الى عبد الله بن طاهر ان يحمل اليه الحسن بن الافشين من خراسان. فاحتال عبد الله في القبض عليه ، ثم وجه به وبزوجته اترنجة الى سامرا. ولما حبس الافشين عزل عن الحرس وولي اسحاق بن يحي بن معاذ بدلا عنه (٢).
__________________
(١١٠) الكامل ٦ / ٥١٢.
(١١١) الطبري ٩ / ١٠٣.