ومن المغنين المحسنين الذين غنوا للمتوكل على الله المغني البغدادي الملقب بالمسدود ، لأنه كان مسدود أحد المنخرين ومفتوح الآخر. وقد وهب صوتا شجيا وقدرة فائقة على تلحين الأغاني ولا سيما الاهازيج. وكان كثير التباهي على ما وهب من قدرة على التلحين والغناء ، ويقول : لو كان منخري الآخر مفتوحا لأذهلت بغنائي أهل الحلوم وذوي الألباب ، وشغلت من سمعه عن أمر دينه ودنياه ومعاشه ومعاده (١). وكان بالاضافة الى ذلك حاضر النادرة ، جريئا في الاجابة ، مما كان يوقعه ببعض المآزق. فقد غضب الواثق بالله عليه لكلمة قالها فيه فأمر بنفيه من سامرا الى عمان. ثم ما لبث أن عفا عنه (٢). ومن أجوبته القاسية انه غنى بين يدي المتوكل على الله مرة ، فاسكته وقال لمغن آخر أن يغني ، فقال المسدود : أنا أحتاج الى مستمع. فلم يفطن الخليفة الى ما قال ، والا كان عاقبه على قوله(٣).
وكان المسدود من جملة المغنين الذين غنوا في دعوة اعذار المعتز بن المتوكل على الله (٤). ولما طال حبس ابراهيم بن المدبر ، وهو من رؤساء الدواوين في سامرا ، ولم يجد حيلة للخلاص ، عمل أبياتا من الشعر وانفذها الى المسدود وسأله أن يعمل فيها لحنا ويغني بها المتوكل على الله ، واذا سأله عن قائلها عرفه انها له. ففعل المسدود ذلك. ولما سأله المتوكل على الله. قال : لعبدك ابراهيم بن المدبر ، فذكره المتوكل على الله واطلقه من سجنه ، والأبيات هي (٥) :
بأبي من بات عندي |
|
طارقا من غير وعد |
__________________
(٧٤) نفس المصدر ٢٠ / ٢٨٨.
(٧٥) نفس المصدر ٢٠ / ٢٨٩ ـ ٢٩٠.
(٧٦) نفس المصدر ٢٠ / ٢٩١.
(٧٧) الديارات / ١٥٤.
(٧٨) الفرج بعد الشدة ١ / ١٢٣.