علي بن الجهم انصرفت ليلة من عند المتوكل على الله ، فلما دخلت منزلي جاءني رسوله يطلبني فراعني ذلك. فرجعت اليه وجلا ، فادخلت عليه وهو في فراشه. فلما رآني ضحك ، فايقنت بالسلامة. فقال : يا علي أنا مذ فارقتك ساهر وقد خطر على قلبي هذا الشعر الذي كان يغني فيه أخي قول الشاعر : قلبي الى ما ضرني داعي .. فحرصت أن أعمل مثل هذا فلا يجيئني ، أو أن أعمل مثل اللحن فما أمكنني ، فوجدت في نفسي نقصا. فقلت : يا سيدي كان أخوك خليفة يغني وانت خليفة لا تغني. فقال : قد والله أهديت الى عيني نوما ، اعطوه ألف دينار. فاخذتها وانصرفت (١).
ودخل المتوكل مرة الى احدى جواريه وهي تغني :
أمن قطر الندى نظمت |
|
ثغرك أم من البرد |
وريقك من سلاف الكر |
|
م أم من صفوة الشهد |
أيا من قد جرى مني |
|
كمجرى الروح في الجسد |
ضميرك شاهدي فيما |
|
أقاسيه من الكمد |
فقال لها : ويحك لمن هذا الصوت؟ قالت : أخذته من مخارق. قال : فالقيه على الجواري جميعا ، ففعلت. فلما اخذته عنها أمر باخراجهن اليه ودعا بالنبيذ وأمر بألا يغنينه غيره ثلاثة أيام متوالية (٢) :
وكان اسحاق الموصلي كبير مغني عصره قد كف بصره في أواخر أيام الواثق بالله ، واعتزل في منزله ببغداد ، فطلب المتوكل على الله
__________________
(٦٥) الاغاني ٨ / ٣٦٣.
(٦٦) الاغاني ٨ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.