السابق الى ذلك ، واتبعه وزراؤه والمتقدمون من كتابه وقواده في الطرب والمجون (١). دخل اسحاق بن ابراهيم صاحب الشرطة يوما على المتوكل على الله والسماجة بين يديه ، وقد قربوا منه للقط الدراهم التي ينثرها عليهم. فلما رأى اسحاق ذلك ولى مغضبا. ولما سأله المتوكل على الله عما اغضبه ، قال : عساك تتوهم ان هذا الملك ليس له من الأعداء مثل ما له من الأولياء ، تجلس في مجلس يبتذلك فيه مثل هؤلاء الكلاب يتجذبون ذيلك وكل واحد منهم متنكر بصورة منكرة ، فما يؤمن ان يكون فيهم من احتسب نفسه ديانة أو نية فاسدة وطوية ردية ، فيثب بك. فقال له : لا تغضب ، فو الله لا تراني على مثلها أبدا. وبني للخليفة بعد ذلك مجلس مشرف ينظر منه الى السماجة وحركاتهم (٢).
٢ ـ من مجالسه الأدبية :
كان المتوكل على الله يجلس في بعض الأحيان الى ندمائه وجلسائه من أهل الأدب ، ليستمع الى اخبار الاولين وبخاصة الخلفاء السابقين ، والى بعض الطرف والمناظرات الأدبية أو اللغوية والنحوية. وقد ورد ذكر الخليفة المأمون في أحد المجالس ، اذ ذكر القاضي يحيى بن اكثم فضائله ووصف علمه ومعرفته ونباهته. فسأله المتوكل على الله : كيف كان يقول في القرآن؟ قال يحيى : كان يقول ما مع القرآن حاجة الى علم فرض ، ولا مع سنة الرسول صلىاللهعليهوسلم وحشة الى فعل أحد ، ولا مع البيان والأفهام حجة لتعليم ، ولا بعد الجحود للبرهان والحق الا السيف لظهور الحجة. فقال المتوكل على الله : لم ارد منك ما ذهبت اليه من هذا المعنى. قال يحيى : القول بالمحاسن في المغيب فريضة على ذى النعمة. قال له : فما كان يقول خلال
__________________
(٣٦) مروج الذهب ٤ / ٨٦.
(٣٧) الديارات / ٣٩ ـ ٤٠.