والمغنين في مجلس الواثق بالله ، وكانت أمه عليلة ، فدخل اليها وامرهم ان لا يبرحوا مجالسهم ، فأبطأ عليهم. وكانت الليلة مقمرة ، فاندفع مخارق يغني. فاجتمع حوله غلمان القصر. وعند ما خرج الواثق بالله نادى على غلام فلم يجبه أحد ، فتوسط الدار واخذ ينادي الغلمان بصوت عال. فبادر اليه ابن حمدون واخبره ان مخارقا يغني وان الغلمان تجمعوا يستمعون اليه ، وليس فيهم فضل ليسمعوا غير ما يسمعون من الغناء. فقال الواثق بالله : عذر والله لهم يا ابن حمدون ، وأي عذر. ثم شاركهم في الاستماع الى غناء مخارق (١).
ان تجمع عدد كبير من المغنين والموسيقيين في مجالس لهو الواثق بالله كان يثير في بعض الاحيان شيئا من التنافس بينهم. وقد يصل الى درجة الحقد يدفع بعضهم الى أن يكيد لدى الخليفة على البعض الآخر. فقد ذكر ان الواثق بالله كان يستشير اسحاق الموصلي فيما يصنعه من الأصوات. فحاول مخارق ان يكيد لاسحاق عند الخليفة ، فقال له يوما : ان اسحاق يعرف ان الصوت الذي تعرضه من صنعتك فيقول لك ما يوافق هواك ، فاذا خرج عنك قال لنا ضد ذلك. فاراد الواثق بالله أن يتأكد من ذلك. فتبرع مخارق بأن يغني صوتا للواثق بالله بحضور اسحاق ، وتعمد ان يغير فيه بمواضع تخفى على الواثق بالله. فلما سأل الواثق بالله اسحاق عن رأيه في الصوت. قال اسحاق انه فاسد غير مرضي. فغضب الخليفة وتحقق له قول مخارق. فأمر فسحب اسحاق من المجلس حتى اخرج منه مطرودا ، وأمر بنفيه الى بغداد. ثم جرى ذكره يوما ، فقالت فريدة جارية الواثق بالله : يا أمير المؤمنين ان اسحاق كما تعلم يأخذ نفسه بقول الحق ، وان مخارقا قد كاده عندك اذ أفسد الصوت من حيث أو همك انه زاد فيه نغما وجوده ، فاحضر اسحاق واغنيه اياه على صحته واسمع ما يقول. فأمر الواثق بالله باحضاره الى سامرا
__________________
(٨٦) الاغاني ١٨ / ٣٤٢ ، ونهاية الارب ٤ / ٣١٦.