فهش الواثق لي ونشط ، ودعا بطعام خفيف فاكلنا ، واصطبح ، وأمر لي بمائة ألف درهم (١).
وغنى اسحاق الواثق بالله يوما في شعر كان قاله وهو عنده بسامرا ، وقد طال مقامه واشتاق الى أهله ، وهو :
يا حبذا ريح الجنوب اذا بدت |
|
في الصبح وهي ضعيفة الأنفاس |
قد حملت برد الندى وتحملت |
|
عبقا من الجثجاث والبسباس |
فشرب الواثق بالله عليه واستحسنه ، وقال له : يا أبا محمد لو قلت مكان «يا حبذا ريح الجنوب» يا حبذا ريح الشمال ، ألم يكن أرق وأعذى وأصح للأجساد وأقل وخامة وأطيب للانفس؟ قال اسحاق : ما ذهب علي ما قاله أمير المؤمنين ، ولكن التفسير فيما بعد ، فقال : قل ، فقلت :
ماذا تهيج من الصبابة والهوى |
|
للصب بعد ذهوله والياس |
فقال الواثق بالله : انما استطبت ما تجيء به الجنوب من نسيم أهل بغداد ، لا الجنوب ، واليهم اشتقت لا اليها. فقال : أجل يا أمير المؤمنين. فضحك وقال : قد اذنت لك بعد ثلاثة أيام فامض راشدا ، وأمر له بمائة ألف درهم (٢).
__________________
(٧٢) نفس المصدر ٥ / ٣٨٩ ـ ٣٩٠. وقد ذكر الخبر نفسه في ص : ٣٥٥ من الجزء نفسه. وخاثر النفس : ثقيلها. والسخب جمع السخاب وهي القلادة من قرنفل ونحوه ، أو القلادة بصورة عامة. والصر : شد ضرع الناقة لئلا ترضع ولدها.
(٧٣) الاغاني ٥ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧. والجثجاث : شجر اصفر طيب الرائحة ، ومثله البسياس.