حوله ، والى جانب كل واحد منهم مغن ، ليكون أكثر اختلاطا بهم. وبدأ هر نفسه فتناول عودا وغنى فشربوا. ثم غنى من بعده حتى وصل الدور الى اسحاق الموصلي فلم يغن. فغنوا دورا اخر ولم يغن اسحاق ، وكذلك فعل في الدور الثالث. فغضب هارون ونهض فجلس على السرير ، فقام الجميع وقوفا بين يديه. فدعا باسحاق وشتمه ، وقال له : أتنزل لك واغني وترتفع عني ، وأمر بضربه ثلاثين مقرعة. وحلف الا يغني بقية اليوم غير اسحاق. فاعتذر اسحاق واعتذر الجلساء ، فعاد هارون الى مجلسه بينهم ، وأخذ اسحاق العود وما زال يغني حتى انقضى ذلك اليوم (١).
كان الواثق بالله يغدق على اسحاق الموصلي الأموال. وقد قال اسحاق : ما وصلني أحد من الخلفاء بمثل ما وصلني به الواثق بالله ، وما كان أحد منهم يكرمني اكرامه (٢). وكان اسحاق يحضر مجالس الخلفاء اذا جلسوا للشرب واللهو في جملة المغنين وعوده معه ، الى ايام الواثق بالله فانه كان اذا قدم عليه يحضر مع الجلساء بغير عود ، ولا يغني حتى يطلب اليه الواثق بالله. واذا طلب منه أن يغني جاؤه بعود فغنى به ، واذا فرغ رفع العود من بين يديه (٣). وذلك اكراما له واعلاه لشأنه.
وطلب الواثق بالله في بعض العشايا الا يبرح أحد من المغنين المجلس لانه عزم على الصبوح في اليوم التالي. فامسك الجميع عن معارضته الا اسحاق فانه اعتذر عن المبيت ، فرجاه الواثق بالله ان يبكر في الحضور غدا. وعند ما التأم المجلس في اليوم التالي حضر اسحاق فجلس مع الندماء. وكان اذا امره الواثق ان يغني خرج عن صفهم قليلا وغنى الصوت الذي يأمره به ، فاذا فرغ من القدح
__________________
(٦٧) نفس المصدر ٩ / ٢٩٨.
(٦٨) نفس المصدر ٩ / ٢٨٣.
(٦٩) نفس المصدر ٩ / ٢٨٦.