هؤلاء الاتراك مفسدين في الارض. فاستشار ملك الصين في أمرهم ، فاخبره انهم رعاة يحيط بارضهم من الشمال البحر الاخضر الذي لا مجاز فيه ، ومن الغرب والجنوب جبال شاهقة لا مسلك فيها ولا منفذ لهؤلاء الاتراك الا من درب واحد ضيق ، وانهم في زاوية من الارض ، لو سد عليهم هذا المنفذ لبقوا فيه ، وكفى الناس شرهم وفسادهم. فعلم الاسكندر وجه الصواب فيما اشار به ملك الصين. فبنى سدا على ذلك الوادي ، وهو السد الذي وصفه القرآن الكريم (١).
ويقول البيروني ان صاحب اذربيجان أيام فتحها وجه انسانا الى السد من ناحية الخزر ، فشاهده ووصفه بانه بناء باسق سام أسود وراء خندق وثيق منيع (٢).
وجاء في كتاب مختصر كتاب البلدان انه لما انتهى ذو القرنين الى موضع السد وبينه وبين الخزر شهران ، اجتمع اليه خلق كثير وقالوا ان خلف هذا الجبل أمما لا يحصيهم الا الله عزوجل ، وقد اخربوا علينا بلادنا وزروعنا. وان ياجوج وماجوج كانو يخرجون أيام الربيع الى أراضيهم فلا يدعون شيئا أخضر الا أكلوه ، ولا شيئا يابسا الا حملوه. وان ذا القرنين طلب اليهم ان يعينوه على أن يجعل لهم دونهم سدا. ثم أمر بالحديد فضرب منه لبنا عظاما ، واذاب النحاس ثم جعل ملاط اللبن النحاس ، وبنى به الفج وسواه مع قلتي الجبل. فلما فرغ منه أمر بالنحاس فأذيب وأفرغ عليه من فوقه فصار شبيها بالمصمت (٣).
ومن الابحاث الحديثة عن سد ذي القرنين الدراسة التي قام بها العالم الهندي مولانا أبو الكلام آزاد ، وخلاصتها ان ذا القرنين هو الملك الفارسي كورش الذي حكم في منتصف القرن السادس قبل
__________________
(٣٥) الخراج وصناعة الكتابة / ١٩٩.
(٣٦) الاثار الباقية / ٤١.
(٣٧) مختصر كتاب البلدان / ٢٩٨ ـ ٢٩٩.