تقع على أعالي نهر سيحون وتنحدر ثانية جنوبا الى اشروسنة بعد ان تعبر نهر بلخ. بينما تقع كل من اسبيشاب واشروسنة غربي نهر سيحون وهما بعيدتان عن نهر بلخ. كذلك من المستغرب ان يستغرق طريق العودة كما ذكر سلام مدة أقصر من المدة التي استغرقتها رحلة الذهاب. لان طريق خراسان المشار اليه أطول كثيرا. ويظهر ان سلاما لم يحالفه الحظ في وصف طريق العودة ، وانه خلط كثيرا في المدن التي قال ان البعثة مرت بها ، وانه لم يسجل مشاهداته في حينها ، وانما اعتمد على ذاكرته التي تشوشت فيها صور الرحلة الطويلة المتعبة واحداثها ، فكان هذا الاضطراب الذي ذكرناه.
على ان هذا الاضطراب قد شكك في صحة رواية ابن سلام عن رحلة بعثته. فقد شك بصحتها أبو الريحان البيروني اذ يقول ما خلاصته : ان الكتب المشتملة على ذكر البلاد والمدن ، وكتب المسالك والممالك تبين ان ياجوج وماجوج هم صنف من الاتراك يسكنون في مباديء الاقليمين الخامس والسادس ، وان في القصة ما يزيل الثقة بها من صفة أهل تلك البلاد من التدين بالاسلام والتكلم بالعربية مع انقطاعهم عن العمران وانهم لم يكونوا يعرفون الخليفة ولا الخلافة. وهو ينكر وجود أمة مسلمة منقطعة عن بلاد الاسلام ، لان البلغار الذين هم بالقرب من منقطع العمران ونهاية الاقليم السابع لا يجهلون الخلافة ، وانهم لا يعرفون من أمر هذا السد شيئا ، حتى يقول : واذا كانت شواهد هذا الخبر على هذه الهيئة لم يطمع منها في تعرف الحقيقة (١).
وكذلك طعن ابن رستة في صحة رواية سلام اذ يقول : وكتبناه نحن لنقف على ما فيه من التخليط والتزييد ، لان مثل هذا لا تقبل صحته (٢).
__________________
(٢٩) الاثار الباقية / ٤٢.
(٣٠) الاعلاق النفيسة / ١٤٩.