كان في الحملة مع عمه ، ولامه على تفريطه في المبايعة وشجعه على ملافاة ما كان منه ، واكد له ان هناك عددا من القواد ممن ينحازون الى جانبه ويؤيدون مبايعته دون عمه. فلقي ذلك استجابة من العباس ، واتفقا على ان يتولى تنظيم الدعوة الى العباس الحارث السمرقندي الذي يصفه الطبري بانه كان رجلا أديبا له عقل ومداراة (١). أي انه كان سياسيا بليغا. وكان العباس يأنس بالحارث ويطمئن اليه ، فصيره سفيره الى القواد الناقمين على الخليفة.
وقد استطاع الحارث ببلاغته ودهائه ان يستميل جماعة من القواد الى مبايعة العباس. وكان من بين من بايعه بعض خواص المعتصم بالله. وسمي لكل رجل من رجال الخليفة المخلصين رجلا من ثقات من بايعوه وقال لهم : اذا اظهرنا أمرنا فليثب كل منكم بالقائد الذي كلف به. فوكل من بايعه من خواص الخليفة بقتله ، ومن بايعه من خواص القواد الكبار كالافشين وأشناس وغير هما بقتلهم (٢). أي ان المؤامرة دبرت على أساس اغتنام الفرصة المواتية لاغتيال المعتصم بالله وكبار قواده ممن لم يشتركوا في المؤامرة ، ومبايعة العباس بالخلافة. ويلاحظ ان التامر بدأ قبل تحرك الجيش من سامرا الى بلاد الروم. اذ كان المتحمسون لتنفيذ المؤامرة أرادوا الوثوب بالمعتصم بالله عند ما دخل الدرب في قلة من اتباعه وهو في طريقه الى بلاد الروم ، الا ان العباس أبى ذلك ، وقال : لا أفسد هذه الغزاة (٣). ثم حاولوا ثانية عند ما تم فتح عمورية وانشغل الجند بالغنائم ، ولكن العباس ارتأى تأجيل الأمر حتى
__________________
(٧٤) نفس المصدر ، وتأريخ ابن خلدون ٣ / ٥٦١ وفيه ان الحارث السمرقندي من بطانة عجيف بن عنبسة.
(٧٥) الطبري ٩ / ٧١ ، وتجارب الامم ٦ / ٤٩٥. والعيون والحدائق ٣ / ٣٩٦.
(٧٦) الطبري ٩ / ٧٢ ، وتجارب الامم ٦ / ٤٩٦ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٩٦.