اضافة الى السبب المباشر لها ، أسباب أخرى غير مباشرة كانت تدفع المتآمرين لتنفيذ مؤامرتهم. ويمكن حصر الاسباب غير المباشرة بأمرين مهمين ، أولهما طمع العباس بالخلافة رغم انه كان قد بايع عمه المعتصم بالله. وسبق ان رأينا ان مبايعته كانت عن اضطرار وكراهية. فقد سبق لمؤيديه ان شغبوا لما بويع لأبي اسحاق غداة وفاة المأمون وأرادوا العباس للخلافة ونادوه باسمها. مما اضطر المعتصم بالله حينذاك الى ان يستدعيه ليعلن لأولئك المعارضين انه بايع عمه ويطلب اليهم ان يقتدوا به ، ويخلدوا الى السكينة. وعند ما عاد المعتصم بالله الى مدينة السلام استصحب معه العباس لكي لا يتيح له فرصة للاتصال بمؤيديه. ولكن يظهر انه كانت له رغم ذلك علاقات واتصالات ببعض مؤيديه من القواد. وثانيهما ان استفحال سيطرة القواد الاتراك وازدياد نفوذهم على الخلافة والجيش ، واستكانة المعتصم بالله الى ولائهم جعلهم يسأثرون بالمراكز المهمة في الجيش وحصر المغانم بهم. مما اثار حفيظة القواد العرب ، والخراسانيين على قلتهم ، ومن شايعهم من الجند. وكانوا لا يفتأون يبدون تذمرهم من تزايد نفوذ الاتراك في الجيش والدولة.
أما السبب المباشر فقد نشأ عند ما وزع الخليفة كبار قواده على مواقعهم في حملته على بلاد الروم ، وعين صلاحيات كل منهم في الشؤون المالية والادارية. فاطلق يد الافشين والقادة الاتراك الاخرين مثل اشناس وايتاخ في الانفاق ، واناط بهم القيادات المهمة الفعالة. مما جعل بعض القواد الاخرين ينقمون من ذلك واعتبروه استصغارا لشأنهم. وكان القائد العربي عجيف بن عنبسة الذي سبق ان قضى على تمرد الزط ، على رأس هؤلاء الناقمين. اذ اعتقد ان الخليفة يستصغر شأنه ويستقصر أمره ، فلم يطلق يده في النفقات كما اطلق يد الافشين (١). فاشتكى ذلك الى العباس الذي
__________________
(٧٣) الطبري ٩ / ٧١.