٣ ـ خمارويه بن أحمد بن طولون والنزاع مع الخلافة :
عند ما توفى الأمير أحمد بن طولون بايع الجند ابنه خمارويه بالولاية على مصر خلفا له. وقد امتنع أخوه العباس ، وهو أكبر أخوته ـ عن مبايعته فأمر بحجزه ، وكان ذلك آخر العهد به ، ويقال انه أمر بقتله (١). وقد ولى خمارويه الفقيه محمد بن عبدة بن حرب البصري القضاء ، وكانت مصر قد بقيت بعد موت بكار بن قتيبة بغير قاض زهاء سبع سنوات. نظر خلالها ابن عبدة في المظالم ، وكان سخيا مهيبا ، يرهبه الشهود ، ويجله الامير خمارويه ويعظمه ويجرى عليه كل شهر ثلاثة آلاف دينار ، وقد فوض اليه مع القضاء النظر في المظالم والمواريث والاوقاف والحسبة. وامتاز ابن عبدة بالجرأة وقوة الحجة بحيث لما اختلف الامير خمارويه مع بعض كبار قواده توسط بينهم وأصلح الحال ، فشكر له الأمير سعيه. وكان لابن عبدة مجلسان أحدهما للفقه يحضره الفقهاء ، والآخر للحديث يحضره الحفاظ. ولم يزل بنظر في القضاء وغيره مما فوض اليه الى ان قتل أبو الجيش خمارويه. فلما تولى ابنه جيش امارة مصر أقره على عمله ، فاستمر حتى خلع الأمير ، فرجع الى داره واستتر خوفا من الفتنة. وعند ما تولى محمد بن سليمان الكاتب امرة مصر من قبل الخليفة المكتفى بالله اعاد ابن عبدة الى منصب القضاء. فلبث فيه يسيرا ثم سار الى العراق صحبة محمد بن سليمان واقام فيه الى ان مات في سنة ٣١٣ ه (٢).
أما علاقة خمارويه بالخلافة فقد استمرت القطيعة التي حدثت في أيام أبيه مع الموفق بسامرا. فاستغل والي الموصل اسحاق بن كنداج ووالي أرمينية ابن ابي الساج الفرصة وكاتبا الموفق يستمدانه على محاربة خمارويه ، فامرهما بمحاربته ووعدهما
__________________
(٩٢) نفس المصدر ٣ / ٤٩ ، وكتاب الولاة وكتاب القضاة / ٢٣٣.
(٩٣) كتاب الولاة وكتاب القضاة / ٥١٦ ـ ٥١٨.