وحينما قرر بناء الجامع طلب ان يبنى مقاوما للغرق والحريق فقيل له يبنى بالجير والرماد والآجر الأحمر القوي الناري الى السقف ولا يجعل فيه اساطين الرخام فانها لا صبر لها على النار ، فبناه هذا البناء (١). ويظهر مما ذكره المقريزي انه قدر لسقف الجامع ثلاثمائة عمود من الرخام فقيل له لا يتوفر هذا العدد من الاعمدة الا اذا جمعت من الكنائس المهجورة في الأرياف والضياع ، فانكر ذلك ولم يوافق عليه. وشغل باله في كيفية توفير هذه الأعمدة الضرورية لقيام سقف الجامع. فتقدم اليه مهندس نصراني كان يعمل عنده ، وقد سبق أن غضب عليه وأمر بسجنه (٢) ، بانه يستطيع بناء الجامع دون أعمدة سوى عمودي القبلة. ولكي يقنع الأمير ابن طولون باقتراحه صور الجامع على قطع من الجلود ، فاعجب ابن طولون بذلك واستحسنه ، فاطلقه من سجنه وخلع عليه ووضع تحت تصرفه مائة ألف دينار وقال له أن ينفق على تشييد الجامع وفق اقتراحه ، واذا ما احتاج الى زيادة في المال زاده له. فبوشر في بنائه في سنة ٢٦٤ ه وتم في سنة ٢٦٦ ه وصلي فيه أحمد أول جمعة ، فطالبه المهندس النصراني بالأمان والجائزة ، فقال له : لقد أمنك الله ولك الجائزة. وأمر له بعشرة آلاف دينار وأجرى عليه الرزق الواسع الى أن مات (٣).
ويرى الآثاري «قيولية» ان هذه القصة أقرب الى أن تكون مختلفة لتظهر ان استخدام الأعمدة في بناء الجامع ابتكار مصري ، بينما كان قد بني جامعان كبيران باستخدام الاعمدة قبل سنوات قليلة في سامرا التي قدم منها ابن طولون ، وكان ولا شك اطلع عليهما وتعرف على طريقة بنائهما (٤).
__________________
(٦٨) نفس المصدر ، والخطط المقريزية ٢ / ٢٦٦.
(٦٩) بين المقريزي سبب غضبه عليه وسجنه ـ الخطط المقريزية ٢ / ٤٥٧.
(٧٠) راجع عن تفصيلات أخرى عن بناء الجامع ـ الخطط المقريزية ٢ / ٢٦٥ ـ ٢٦٦.
(٧١). ٣٠٣Creswell ,E.M.A.P.