والقضاة ، فامتنع عن الشهادة قاضي مصر بكار بن قتيبة ، مما سبب غضب ابن طولون عليه فأمر بسجنه.
وكان بكار بن قتيبة قد ولاه المتوكل على الله قضاء مصر في سنة ٢٤٦ ه وأجرى عليه مائة وثمانية وستين دينارا في الشهر. وكان عفيفا عن أموال الناس ، محمودا في ولايته ، عارفا بالفقه ، يكثر وعظ الخصوم ونصحهم وبخاصة عند اليمين ، ويحاسب أمناءه ويتحرى عن الشهود. وكان ابن طولون يعظمه ويحترمه ، وكثيرا ما كان يتردد على مجلسه في الحديث ليستمع اليه. ومن مظاهر احترامه له ان كان من عادته اذا حضر جنازة لا يصلي عليها غيره الا اذا كان بكار حاضرا فيقدمه للصلاة. الا انه لما امتنع بكار عن لعن الموفق حبسه ونقم عليه. ويقال ان بكارا قال : ألا لعنة الله على القوم الظالمين. فقيل لابن طولون انه انما قصدك بهذا القول. مما زاد في غضبه عليه. وكان من عادة ابن طولون ان يبعث الى بكار في كل سنة بألف دينار ، فلما غضب عليه أرسل اليه يستردها منه. فاحضرها بكار من منزله بخواتيمها. وقد طال حبس بكار فطلب أصحاب الحديث الى ابن طولون أن يأذن لهم في السماع منه فأذن لهم ، فكان يحدثهم من طاقة في السجن. وعند ما مرض ابن طولون حاول أن يسترضي بكارا ، الا انه رفض ذلك. وقد توفى بكار في أواخر ذي الحجة سنة ٢٧٠ ه ، بعد وفاة أحمد بن طولون بأربعين يوما ، وكان قد تولى القضاء أربعا وعشرين سنة (١).
لقد قطع ابن طولون الخطبة للموفق واسقط اسمه من الطراز ، فلما بلغ الموفق ما عمله ابن طولون طلب الى الخليفة أن يأمر بلعنه ، ففعل المعتمد على الله ذلك مكرها ، لان هواه كان مع ابن طولون (٢). وكتب الموفق الى عمال الولايات يأمرهم بلعن ابن طولون على
__________________
(٦١) لمزيد من التفصيلات راجع : كتاب الولاة وكتاب القضاة / ٥٠٧ ـ ٥١٢.
(٦٢) الكامل ٧ / ٣٩٧.