المناصب العليا في سامرا كانت متصلة (١). فطلب الموفق الى كبير القواد موسى بن بغا ان يصرف ابن طولون عن ولاية مصر ويقلدها اماجور والي دمشق. الا ان اماجور احجم عن مقاتلة ابن طولون للقربى التي بينهما ولقوة جيش ابن طولون. ولذلك اضطر موسى ان يخرج بنفسه على رأس جيش كثيف. فنزل الرقة واقام بها عدة أشهر لم تتوفر له خلالها الأموال اللازمة للجيش ليسير الى حرب بن طولون. فاضطرب عليه اصحابه وملوا الاقامة وطالبوا بأرزاقهم. على ان موسى مرض واشتدت عليه علته فمات (٢).
ولما علم ابن طولون بمسير موسى بن بغا بجيش يريد حربه واقصاءه عن ولاية مصر استعد لملاقاته. فأخذ على الجند وسائر الناس البيعة لنفسه على أن يعادوا من عاداه ويوالوا من والاه ويحاربوا من حاربه من الناس جميعا (٣). وهذا ما معناه انهم بايعوه على ان يحاربوا الى جانبه ولو كان يحاربه جيش الخليفة. ويمكن الاستنتاج من هذا ان ابن طولون كانت تساوره فكرة الانفصال التام عن الدولة العربية. فشرع بتحصين المدينة ، فبنى حصنا في الجزيرة ، وهي جزيرة الروضة بين الفسطاط والجيزة ، ليكون معقلا لماله وحرمه وذخائره ، واجتهد في بناء المراكب الحربية واحاطتها بالجزيرة زيادة في تحصينها (٤).
وحينما بلغ ابن طولون نبأ موت أما جور في دمشق ، وكان قد استخلف ابنه في الولاية بعده ، اغتنم الفرصة لضم بلاد الشام اليه. فخرج بجيش كبير واستطاع ان يستولى دون حرب على الرملة ودمشق وحمص ، ثم اضطر على محاصرة انطاكية ، لأن واليها سيما
__________________
(٥٤) الخطط المقريزية ٢ / ١٧٩ ، والكامل ٧ / ٣٠٥.
(٥٥) كتاب الولاة وكتاب القضاة / ٢١٨ ، والكامل ٧ / ٣٠٥ وفيه ان موسى اضطر الى العودة الى سامرا.
(٥٦) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٥١٠.
(٥٧) كتاب الولاة وكتاب القضاة / ٢١٨ ، والخطط المقريزية ٢ / ١٨٠ وجاء فيه انه احاطها بمائة مركب.