فزين للعباس بعض قواده التغلب على مصر والقبض على الواسطي. وقد بلغ الواسطي ما عزم عليه العباس وأتباعه فكتب الى الأمير أحمد يخبره بالأمر ويستعجله العودة الى مصر ، فزاد ذلك في وحشة العباس من أبيه وخوفه منه. فاشار عليه أصحابه ان يبتعد عن أبيه فيخرج من مصر. فقبض على الواسطي وقيده ، وخرج الى الاسكندرية على رأس جيش كبير فيه ثمانمائة فارس وعشرة آلاف راجل من سودان أبيه. وحمل معه مالا كثيرا. ثم توجه منها الى برقة ، وقد راودته فكرة تأسيس دولة في أفريقية لكي يستطيع مهاجمة أبيه. فكاتب بعض زعماء القبائل فيها فاجابه قسم منهم ، فأقدم على مغامرة عسكرية. اذ كتب الى أمير بني الأغلب ابراهيم الثاني بان الخليفة قد قلده أمر أفريقية وأعمالها وانه متوجه اليها. وقيل حمل معه من بيت مال مصر (٨٠٠) حمل من الدنانير الذهبية ، ومبلغها ألف ألف دينار ومائتا ألف دينار (١). فلما دخل بجيشه مدينة لبدة اساء الى أهلها ، واضطر عاملها على الالتجاء الى اطرابلس التي استنجد أهلها بأبي منصور الاباضي المتغلب على مدينة تفوسة ، فزحف هذا لنجدتهم. وكان الأمير ابراهيم قد بعث جيشا الى اطرابلس لحرب ابن طولون ، وقد اشرنا الى ذلك عند الكلام عن الامير الأغلبي ابراهيم الثاني. وقد هزم العباس أقبح هزيمة وكاد ان يقع في الأسر ، مما اضطره على العودة فقبض عليه أبوه وسجنه وقتل عددا من اتباعه ممن زينوا له الخروج على أبيه (٢).
ان قضاء أحمد بن طولون على الاضطرابات والفتن المذكورة ، وعلى تمرد ابنه ساعد على استتباب الأمن الداخلي مما اتاح له فرصة للبناء والتعمير والعمل على تحسين أحوال البلاد. فاهتم بشؤون الري والزراعة مما أدى الى زيادة الانتاج الزراعي في مصر فبلغ خراجها أربعة آلاف ألف وثلاثمائة ألف دينار ، بعد أن كان قبله ثمانمائة ألف دينار (٣). وقد ساعده زيادة خراج البلاد على
__________________
(٤٩) البيان المغرب ١ / ١١٨.
(٥٠) الطبري ٩ / ٥٤٥ ، والكامل ٧ / ٣٢٤ ـ ٣٢٥ والبيان المغرب ١ / ١١٨ ـ ١١٩ ، والخطط المقريزية ١ / ٣٢٠.
(٥١) الخطط المقريزية ١ / ٩٩.