سئم الجند ولا سيما المطوعة منهم ، فاتهموه بالتهاون ، وانه لو كان أمرهم عند هجومهم السابق لدخلوا المدينة. فاضطر الافشين ان يأمر بالتجهيز والتهيوء للهجوم العام ، ووزع المواقع على قواده ، ثم أمر بالزحف صوب المدينة. فتقدم قسم من الجيش ووصل أسوار المدينة واخذ يقاتل عندها. الا ان القوات المرابطة في المدينة من الخرمية استطاعت ان تصد هذا الهجوم.
أعاد الافشين ترتيب قواته وازمع على تطويق المدينة ليلا ، فوزع رجاله بشكل يؤمن ذلك ، وأمرهم بالاستيلاء أولا على التل الذي تسيطر عليه ثلة من الخرمية بقيادة آذين أحد كبار قواد بابك. وكان بابك قد امره ان يحصن هذا التل المشرف على المدينة ، وجعل معه ثلاثة آلاف رجل للدفاع عنه (١). الا ان القوة التي وجهها الافشين اجبرت جيش آذين على النزول من التل ، فنشبت معركة كانت فاصلة اذ انتصر الجيش العربي فيها ، مما جعل الاستيلاء على المدينة وشيكا. ويظهر ان هذه المعركة كانت آخر ما استطاعت القوات الخرمية ان تقاتل فيها. لان بابك تقدم على أثرها يطلب الامان من الافشين ويتعهد بتقديم الرهائن والضمانات لاستسلامه (٢). محاولا الحفاظ على معقله وعلى ما بقي من جيشه. ولكن قبل ان تتم المفاوضة حول الاستسلام وشروطه ، جاء الخبر ان قسما من الجيش قد دخل مدينة البذ. وكان بابك قد كمن في قصوره الاربعة في المدينة عددا من أشداء رجاله يقدرون بستمائة رجل (٣). فخرجوا للقتال ، فانتهز بابك الفرصة وفر هاربا ومعه أهله وبعض اتباعه ، بعد أن رأى قواته قد قضي عليها. فسقطت المدينة ، واحرقها الجيش وهدم قصورها وقتل من فيها من الخرمية ،
__________________
(٥٠) الأخبار الطوال / ٣٣٩.
(٥١) الطبري ٩ / ٤٤.
(٥٢) الطبري ٩ / ٤٤ ، والعيون والحدائق ٣ / ٣٨٦ ، ويقدر عددهم باربعة الاف وستمائة رجل.