وضيقوا الخناق عليها حتى اضطر قائدها الرومي على تسليمها بعد أن سمح له بمغادرتها بحرا مع بعض اتباعه ، وذلك في سنة ٢٢٠ ه ، وقد جعلها العرب عاصمة للجزيرة ، فكثر فيها العمران وبنيت فيها المساجد (١). فتوسعت المدينة ونمت حتى صارت من مراكز الحضارة العربية المهمة آنذاك ، مما ساعد على انتشار الدين الاسلامي بين سكانها الأصليين (٢).
وكانت مسينا (٣) قد افتتحت في سنة ٢١٩ ه في خلال حصار بالرم ، وهي تقع في أقصى الشمال الشرقي من الجزيرة. وبذلك استولى العرب على القسم الغربي من الجزيرة وعلى قسم من شماليها. وبقي بيد الروم الساحل الشرقي وأواسط الجزيرة وقلاعها. فركز بنو الاغلب اهتمامهم في اجلاء الروم عنها والاستيلاء عليها لتتم لهم السيطرة على الجزيرة كلها.
لما توفي قائد الجيش العربي في صقلية زهير بن عوف في سنة ٢٢٠ ه خلفه أبو الأغلب ابراهيم بن عبد الله بن الأغلب ، وهو ابن أخي الامير زيادة الله ، فانتهج سياسة جديدة للاستيلاء على ما بقي بيد الروم من الجزيرة. فعمل على تقوية اسطوله البحري ، وأخذت سفنه تهاجم السواحل الجنوبية وتطرد الروم منها. وبنفس الوقت تواجه النجدات البحرية القادمة لمساعدة الروم ، فتضربها بقوة وتضطرها على الهروب والتراجع. مما اضعف القوات الرومية الموجودة في الجزيرة. حتى استطاعت احدى الحملات العربية التوغل الى أواسط الجزيرة والاستيلاء على كبرى مدنها
__________________
(١٨) مما يلفت النظر كثرة المساجد فيها ، ولياقوت رأي طريف في ذلك ، هو رقاعة أهلها بسبب كثرة أكلهم البصل ـ معجم البلدان ١ / ٤٨٣.
(١٩) يراجع عن فتح بالرم ومسينا كتاب «المسلمون في جزيرة صقلية» / ٧٠ ـ ٧٢.
(٢٠) مسينا : على ساحل صقلية المواجه لبلاد الروم ، وهي أكبر مواني الجزيرة واكثرها عمارة. بها تجتمع السفن الكبيرة والمسافرون والتجار من بلاد الاسلام وبلاد الروم. وكان مرساها يستقبل أكبر ما يكون من السفن ـ معجم البلدان ٥ / ١٣٠ والمسلمون في صقلية / ٢١٤.