الاضطرابات المتعاقبة في مصر ، وتمرد الزط في بطائح العراق ، ومقارعة الروم في الثغور العربية مما انهكه وجعله دون القوة المطلوبة لمجابهة الحركة الخرمية ، مما اتاح الفرصة لبابك واتباعه ان يعدوا أنفسهم ، بل ويكسبوا بعض المعارك الحربية. ولذلك فقد اولى المعتصم بالله هذا الامر اهتماما بالغا. وقد يكون لوصية أخيه بشأنه أثر مهم في هذا الاهتمام. حتى انه لم يكن له شأن يشغله ، ولم تنصرف همته الى غيره (١). وقد انتهج خطة عسكرية بارعة تضمن هزيمة بابك واتباعه. وتقوم هذه الخطة على توجيه خيرة قواد الدولة وأكفأهم لمحاربته ، واستمالة بعض الموالين له وضمان تأييدهم الجيوش العربية التي توجه الى حربه. واصلاح القلاع والحصون التي خربها اتباعه ، وشحنها بالرجال. فقد وجه الخليفة القائد أبا سعيد محمد بن يوسف الثغري الى اردبيل وأمره باصلاح القلاع والحصون المخربة فيما بين زنجان واردبيل ، وبناء الحصون الضرورية ، وتخصيص القوات الكافية لها ولحفظ الطرق التي ستستخدم لايصال الميرة والمؤن للجيوش المقاتلة (٢).
ولما علم بابك بالاعمال التي يقوم بها أبو سعيد ادرك خطرها عليه. فوجه اليه سرية لتشغله عن انجاز ما كلف به. فاعترضها أبو سعيد بعدد وافر من جنوده فقتل أكثر أفرادها وأسر منهم جماعة. فكانت هذه هزيمة أخرى تحل باصحاب بابك في عهد المعتصم بالله (٣). فقد كان ثمة انتصار اخر سبق أن أحرزه الجيش العربي وذلك عند ما تجمع اتباع بابك وعسكروا في همذان سنة ٢١٨ ه وقطعوا الطريق. فوجه اليهم المعتصم بالله القائد هاشم بن بايتجور فلم يتمكن منهم (٤). فاتبعه باسحاق بن ابراهيم المصعبي
__________________
(٣٦) الأخبار الطوال / ٣٣٩.
(٣٧) الطبري ٩ / ١١.
(٣٨) نفس المصدر / ١٣.
(٣٩) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧١.