يقم بأي اجراء ضد استفحال أمر الخرمية ، لا سيما وانها امتدت الى امهات مدن ولايات المشرق. فهل كان ذلك منه تشجيعا لها ، أو عدم اهتمام واستهانة بأمرها؟ على ان الدينوري ينفرد بخبر يقول فيه ان المأمون لما اتصل به خبر بابك وجه اليه طاهر بن الحسين في جيش عظيم ، فواقى البذ وقد عظم أمر بابك وتهيبه الناس ، فحاربوه فلم يقدروا عليه ، بل انه فض جمعهم (١).
ومهما كان الامر فان أحد ولاة المأمون وهو يحيى بن معاذ قد اشتبك ببعض قوات بابك في سنة ٢٠٤ ه دون طائل (٢). ثم أخذ المأمون بعد ذلك يوجه الحملات لحرب بابك بين حين واخر حتى سنة ٢١٤ ه. وكانت الغلبة فيها لاتباع بابك اذ هزموا تلك الحملات واسروا بعضها وقتلوا بعض قادتها. ويظهر مما يذكره اليعقوبي انهم هزموا عددا من قواد المأمون كانوا قد توجهوا لحربهم (٣). أما في السنوات التي تلت ذلك فقد انشغل المأمون في رد هجمات الروم على الثغور العربية ، وغزو ديارهم ، ولم يستطع توجيه حملات أخرى لحرب الخرمية ، حتى توفى وهو متألم لعدم استطاعته القضاء على الحركة المذكورة. مما دعاه ان يؤكد على أخيه أبي اسحاق في وصيته بأن يوجه أكفأ قواده واحزمهم لحرب بابك وان لا يالو جهدا في القضاء عليه ، حتى وان تطلب الأمر خروجه بنفسه لحربه (٤). المعتصم بالله وتمرد بابك :
وهكذا اصبحت حركة بابك وتمرده أهم خطر يهدد الدولة العربية واجهه المعتصم بالله عند توليه الخلافة. اذ كانت الحملات التي وجهت اليه في عهد المأمون قد باءت بالفشل. ومن الواضح ان انقسام الجيش العربي في الحرب الاهلية ، وانشغاله بعدها باخماد
__________________
(٣٢) الأخبار الطوال / ٣٣٧.
(٣٣) الكامل ٦ / ٣٥٨.
(٣٤) تأريخ اليعقوبي ٢ / ٤٦٣.
(٣٥) الطبري ٨ / ٦٤٩.