التي قامت بين الخليفة محمد الامين وأخيه المأمون قسمت الجيش على نفسه مما اضعفه ولا شك ، واشغلت الدولة عن الاهتمام بشأن هذه الحركة مدة من الزمن ، مما ساعدها على التوسع والانتشار. وكان من المفروض ان يبادر المأمون بعد أن تربع على عرش الخلافة الى مجابهة هذا الخطر. الا انه لم يتخذ أي اجراء بشأنه حتى سنة ٢٠٤ ه عند ما عاد الى بغداد ، وذلك مما يدعو الى الاستغراب ، ولا ندري ما اذا كان المأمون وهو في مرو على علم بأمرها ولم يعرها الأهمية الكافية استصغارا لشأنها ، أم لم يكن يعلم عنها شيئا ، لان وزيره الفارسي الفضل بن سهل كان يحجب عنه بعض الاخبار والحقائق ويموه عليه بعضها. على ان تستر الفضل بن سهل على الحركة الخرمية وعدم اخبار المأمون بها مما يدعو الى التساؤل. هل كان ذلك ناشئا عن عدم اهتمامه بها وانه اعتبرها مجرد حركة دينية محلية تسعى في أحياء المزدكية القديمة ، فلم يلتفت الى خطرها السياسي ، أم انه أراد أن يشجعها ويتيح لها فرصة التوسع والانتشار لانها تستهدف اعادة الحكم الفارسي؟ ولعل مما يؤيد الاحتمال الثاني ما كان يهدف اليه الفضل نفسه من نقل الدولة الى الفرس. فقد قال له القائد العربي نعيم بن حازم بحضرة المأمون : انك تريد ان تزيل الملك عن بني العباس الى ولد علي ثم تحتال عليهم ، فتصير الملك كسرويا (١). كما ان هرثمة بن أعين أكبر قواد المأمون من العرب كان قد شعر بخطر سياسة الفضل وتبين أهدافه البعيدة ، فجاء الى المأمون مغاضبا وانتقد تصرفات الفضل وسياسته ، وسماه المجوسي (٢).
ويلاحظ كذلك ان طاهر بن الحسين وهو فارسي الأصل أيضا ، قد تولى امارة خراسان وما جاورها من ولايات المشرق منذ ان وصل المأمون الى بغداد ، واستمر في منصبه الى ان مات في سنة ٢٠٧ ه لم
__________________
(٣٠) الوزراء والكتاب / ٣١٣.
(٣١) نفس المصدر / ٣١٧.