لبث ان وشى به بعضهم الى المتوكل على الله بان في بيته سلاحا وكتبا من شيعته ، وانه يطلب الأمر لنفسه. فوجه اليه من الجند الاتراك من داهم منزله ليلا على غفلة من اهله ، فوجده وحيدا جالسا على الأرض في غرفة مغلقة ، وعليه مدرعة من شعر وعلى رأسه ملحفة من صوف ، وهو مستقبل القبلة يرتل آيت من القرآن الكريم. فحمل الى الخليفة في جوف الليل ، فمثل بين يديه وهو في مجلس شراب. وقال من اتى به انه لم يجد في منزله شيئا مما قيل عنه. فأعظمه المتوكل على الله واجلسه الى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده ، فاعتذر بأنه لم يذقه. فطلب اليه ان ينشده مما يحفظ من الشعر ، فأعتذر بأنه قليل الرواية للشعر. فالح عليه المتوكل على الله فأنشده (١) :
باتوا على قلل الأجيال تحرسهم |
|
غلب الرجال فما اغنتهم القلل |
واستنزلوا بعد عز من معاقلهم |
|
فاودعوا حفرا ، يا بئس ما نزلوا |
ناداهم صارخ من بعد ما قبروا |
|
أين الأسرة والتيجان والحلل |
أين الوجوه التي كانت منعمة |
|
من دونها تضرب الأستار والكلل |
فأفصح القبر حين ساء لهم |
|
تلك الوجوه عليها الدود يقتتل |
__________________
(١٦) مروج الذهب ٤ / ٩٣ ـ ٩٤ ، ووفيات الاعيان ٢ / ٤٣٤ ـ ٤٣٥.