بالقضاء على خلافة المهتدي بالله وحياته. فقد ضاق الخليفة المتزمت ذرعا بتسلط اولئك القادة على شؤون الدولة واستئثارهم بمواردها واموالها ، وحاول ان يستغل نقمة الجند على قوادهم وشكاواهم منهم ، وبعض الخلافات القائمة بين القواد انفسهم ، ويعمل للقضاء على بعضهم لأضعاف شوكتهم بصورة عامة. الا ان عمله في هذا كانت تنقصه الحكمة والتدبير ، وكانت محاولاته مكشوفا. فلما ادرك الاتراك نية المهتدي بالله نحوهم وعزمه على فل جمعهم واضعاف شأنهم ، وحدوا كلمتهم فقضوا على احد زملائهم هو القائد صالح بن وصيف الذي كان يظاهر الخليفة ، ومن ثم هاجموا الخليفة نفسه. فقصدوا دار الخلافة في منتصف شهر رجب سنة ٢٥٦ ه ، وانضم اليهم الجند الاتراك الذين كانوا اعلنوا ولاءهم للخليفة ، فبقي معه عدد قليل من مناصريه ، فجرح واضطر الى الهرب من الدار ، ثم يلبث ان استسلم لاعدائه ، فحبسوه في الجوسق.
اجتمع القواد الاتراك وطلبوا اليه ان يخلع نفسه من الخلافة فأبى. الا انهم اختاروا احمد بن المتوكل على الله وبايعوه بالخلافة ، ولقب بالمعتمد على الله. ثم اخرجوا المهتدى بالله من حبسه ميتا وادعوا بأنه مات متأثرا بجراحه. ويقال انه لما ابى ان يخلع نفسه خلعوا اصابع يديه ورجليه من كفيه وقدميه حتى ورمتا وعذبوه فمات (١). ويروي المسعودي انهم طعنوه بالخناجر وكان اول من جرحه ابن عم لبايكباك طعنه في اوداجه وانكب عليه فالتقم الجرح والدم يفور منه ، واقبل يمص الدم حتى ارتوى منه ، وكان هذا
__________________
(٢٩) الطبري ٩ / ٤٦٨.