موضوع المحنة. وقد ابدى كثيرا من لين الجانب والاهتمام بشؤون الرعية. قال لابراهيم بن المدبر وهو احد اصحاب الدواوين : اذا خرج اليك توقيعي بما فيه مصلحة للناس ورفق للرعية فانفذه ولا تراجعني فيه ، واذا خرج اليك بما فيه حيف على الرعية فراجعني ، فأن قلبي بيد الله عزوجل (١). وقال يزيد المهلبي : قال لي المتوكل على الله يا مهلبي ان الخلفاء كانت تتصعب على الرعية لتطيعها وانا الين لهم ليحبوني ويطيعوني (٢). ومر المتوكل على الله يوما بزرع لا يزال اخضر لم يدرك وقت حصاده ، فقال : استأذنني عبيد الله بن يحيى في استفتاح الحراج وارى الزرع اخضر ، فمن اين يعطي الناس الخراج؟ فقيل له ان هذا أضر بالناس فهم يقترضون ويتسلفون وينجلون عن اراضيهم وقد كثرت شكاياتهم. وعلم ان سبب ذلك هو المطالبة بالخراج في ابان النيروز ، ونظرا لمنع العرب كبس السنين باعتباره من النسىء الذي نهى الاسلام عنه ، تقدم النيروز حتى صار يقع في نيسان والزرع اخضر ، فطلب الى ابراهيم بن العباس ان يحسب الأيام بما يؤخر النيروز ، ففعل ذلك (٣). ويبدو ان المتوكل على الله اراد تغيير موعد جباية الخراج بحيث يكون عند حصاد الزرع ، الا انه قتل قبل ان يتم تدبير ذلك ، ولم يحاول ان يتمه من جاء بعده من خلفاء سامرا حتى استخلف حفيده المعتضد بالله فأمر باصلاح التقويم بما اخر موعد الجباية وحقق ما كان حاوله جده ، اذ امر فى سنة ٢٨٢ ه بالكتابة الى جميع العمال بترك افتتاح الخراج بالنيروز العجمي ، وتأخير ذلك الى
__________________
(١٨) تذكرة ابن حمدون / ١٠٥.
(١٩) تاريخ الخلفاء / ٣٥٢.
(٢٠) الاثار الباقية / ٣٢ ، والخطط المقريزية ١ / ٢٧٥.