وصية المأمون من عهد بالخلافة الى اخيه دون ابنه. ويظهر ان الموالين للمعتصم بالله قد ارغموا العباس على مبايعة عمه ، وان يعلن ذلك على مؤيديه ويطلب اليهم الاقتداء به ، فبايع مؤيدوه المعتصم بالله على مضض وبعد مناقشة حادة مع العباس. مما جعل المعتصم بالله يشك بولائهم ويخاف انتفاضتهم عليه ، فاسرع في العودة الى بغداد مستصحبا معه العباس كي لا ينفرد به المعارضون فيغيروا من رأيه فينقاد الى طلبهم ، فيقوم النزاع بينهما ثانية. ويلاحظ ان الجيش يتدخل لأول مرة في امر مبايعة الخليفة وينقسم على نفسه بشأنها. وكان هذا التدخل مبادرة خطيرة صارت لها نتائج بعيدة الأثر على الدولة العربية. على ان هذه الفئة التي عارضت مبايعة المعتصم بالله ، ظلت ، رغم مبايعتها ، تتحين الفرصة المناسبة لامتناع العباس بمبايعته والوثوب بعمه.
عاد المعتصم بالله الى بغداد ، ويصف الخطيب البغدادي دخوله المدينة بقوله «ودخل بغداد على بغلة كميت بسرج مكشوف ، وعليه قلنسوة لاطئة وسيف بمعاليق ، فأخذ على باب الشام حتى عبر الجسر ، ثم دخل من باب الرصافة (١). وكان دخوله اليها يوم السبت مستهل شهر رمضان سنة ٢١٨ ه (٢). ويقول اليعقوبي انه دخل بغداد وعلى جنده الديباج المذهب (٣).
وعند ما تمت البيعة للمعتصم بالله ، وقف علي بن يحيى المنجم بين يديه ومدحه بعد ان رثى المأمون ، بقوله (٤) :
أخنى على الملك المأمون كلكله |
|
عندي جنايته يا معشر الناس |
__________________
(١٣) تاريخ بغداد ٣ / ٣٤٧.
(١٤) الطبري ٨ / ٦٦٧ ، وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧١ ، وشذرات الذهب ٢ / ١٢٢.
(١٥) تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٧١.
(١٦) معجم الادباء ٥ / ٤٦٥.