وكان قد سبق للأخوين المذكورين ان اساءا الى سند بن علي بأن سعيا به لدى المتوكل على الله وباعداه عنه. كما كانا قد دبرا على الكندي العالم الفيلسوف عند المتوكل على الله فغضب عليه ، فتوجها الى داره واستوليا على مكتبته. ولذا فقد توسلا الى سند بن علي ان يتستر على عيوب النهر والاخطاء التي ارتكبت في تخطيطه وحفره. فاشترط سند عليهما ان يعيدا الى الكندي منزلته لدى الخليفة ، ويعيدا اليه مكتبته فأعاداها وأخذا خطه بذلك. فقال لهسا سند : «الخطأ في هذا النهر يستتر مدة اربعة اشهر ، وهي فترة زيادة نهر دجلة ، وقد اجمع الحسّاب ـ اي المنجمون ـ على ان امير المؤمنين لا يبلغ هذا المدى ، وانا اخبره الساعة انه لم يقع خطأ في النهر ، ابقاء على ارواحكما ، فان صدق المنجمون افلتنا نحن الثلاثة ، وان كذبوا وجاءت مدته حتى تنقص دجلة وينضب النهر اوقع بنا ثلاثتنا». فشكر الاخوان له قوله. فدخل سند الى المتوكل على الله وقال له : ما غلطا في امر النهر. وزادت دجلة وجرى الماء في النهر واستتر حاله. ثم قتل المتوكل على الله بعد شهرين من ذلك. وسلم المهندسون المذكورون (١).
ويظهر من هذا ان النهر الجعفري قد تم حفره وجرت فيه المياه في موسم الفيضان ، وذلك قبيل مقتل المتوكل على الله. وان الخطأ الذي وقع به المهندسون هو عدم التأكد من مناسيب المياه في نهر دجلة في مختلف ايام السنة ، لكي يحفر مستوى النهر وفق ذلك ، بحيث ان صدر النهر جاء اعلى من مستوى المياه في دجلة في الظروف الاعتيادية فلا تجري فيه. وان الماء الذي جرى فيه انما كان في موسم الفيضان اذ ارتفع فيه منسوبه فسهل انسيابه الى الجعفري ولكن لأمد قصير. ولا ينكر ان مجهودات عظيمة قد بذلت واموالا طائلة قد انفقت على النهر ، اذ استغرق العمل فيه قرابة
__________________
(٣٥) كامل الخبر في المكافأة / ١٩٥ ـ ١٩٦ ، وعيون الانباء / ٢٨٦ ـ ٢٨٧.