ابن عم البنت الذي هو غريمه وقال له : يا فلان خذ حذرك مني ، إن شاء الله لا أدعك تتهنى بها ولا ليلة واحدة ، وساق فرسه وتوجه إلى بيته. فاصفر وجه الشاب ابن عم البنت من هذا الكلام وأيقن بالموت من يد خصمه ، وجميع الناس تكدروا وصاروا في حيرة لأنهم تأكدوا أنه سيقتله ، لأنه قادر على قتله وقتل خمسين رجل مثله. ثم انفض المجلس وبقي الشاب وأبوه ١ / ١٢٢ تلك الليلة عندنا ، أولا من الخوف وثانيا لكي ندبرهم / بطريقة حسنة. فاجتمعنا بعد العشاء بخلوة ، مع الدريعي والخواجه لاسكاريس والشاب وأبيه وأنا. فقال الدريعي : يا جماعة هذا الشاب سيقتل لأن خصمه رديء جدا ، وبسبب قتل هذا الشاب ستتحرك العربان ، وتحدث فتنة كبيرة وسفك دماء وغارات ، وتنقسم العرب شطرين ويحصل لنا تعب. والعربان يريدون مثل هذه الأمور ، ليجعلوها وسيلة للكسب والنهب من بعضهم ، لأن هذه صنعتهم (١) ومقصودهم ، قبح الله هذه المادة والله ينهيها على خير. فبعد أن انتهى الدريعي من كلامه قال الشاب : أنا عدلت عن البنت ، فاعملوا الذي يريحني ويريحكم ويريح العرب ويطفئ نار هذا الشر. فقال الدريعي : يا جماعة إذا أحضرنا الشاب وأعطيناه البنت ، نكون منكوسين ونظهر بمظهر الفاشل ونبدو وكأننا خفنا منه ، ويبقى العار علينا ، وعليّ بادئ بدء ، لأنني أول من حكم وجزم أن البنت لابن عمها ، ولكن نريد طريقة حسنة كي لا نطلع بالخجل. فقال أبو الشاب : دبرنا يا معلم إبراهيم (يعني الخواجه لاسكاريس). فقال المذكور : هذا شيء سهل ، وهو أن تتكلموا مع الفتاة وتفهموها الواقع ، وهي تقول : لا أريد ٢ / ١٢٢ ابن عمي بل أريد فلانا ، فيبقى القول لها والذنب / عليها. وأما أنتم فلا يقع عليكم لوم ولا خجل. فاستحسن الجميع هذا الرأي وثاني يوم تكلموا مع الفتاة ورضيت غصبا عنها ، وأرسلوا خبرا إلى الشاب فحضر ليأخذها ، وتم له النصيب وأخذها قهرا ورغما عن الشرع وعن جميع الناس.
فبما أن هذه حالهم فأية شريعة عندهم؟ فهم جماعة يعيشون في البرية بحرية عظيمة ، لا ينقادون لشرع ولا يعرفون ما هو الشرع (٢).
وأما بخصوص زواجهم فإن العريس يعطي العروس نقدا على قدر إمكانه ، أما جملا أو ناقة أو نعجات أو فرسا ، على حسب الرضى وعلى قدر إمكانه. وإن وجد في القبيلة أحد
__________________
(١) «كارهم».
(٢) يعيش البدو على الأعراف وينقادون لها ، كما بيناه في كتابنا : «الحقوق في المجتمع البدوي».