يكثر استعمالها في
البادية ، وإن منهم من كان يلبس الخوذة وقميص الزرد ، أما الأسلحة النارية فإن
الدراج عندهم البارودة ذات الفتيل.
ومن أغرب ما جاء
في مذكرات الصايغ عن أعراف البادية عادة «دفن الحصى» ، ولا يكون ذلك إلا بعد الصلح
التام وصفاء القلوب بين خصمين عنيدين وعدوين لدودين طال الخلاف بينهما ، وجرى
عليهما من جراء ذلك الأمور العظام. وعندئذ ينسى كل منهما ما مضى ، ولا يطالب بثأر
أو مال. ويعلمنا الصايغ كيف تتم عملية دفن الحصى وما هو مغزاها ، إذ شاهد ذلك
عيانا بعد أن رضي الدريعي بالصلح مع مهنا الفاضل ، فوصفها ثم قال : فتعجبنا أنا والشيخ
إبراهيم (لاسكاريس) من ذلك ، لأننا ما كنا رأينا هذه النكتة ولا سمعنا بها. ويظهر
أن هذه العادة طاعنة بالقدم ، إذ تكلم عنها ، كما قلت أعلاه ، شهاب الدين العمري
في كتابه : «التعريف بالمصطلح الشريف» ، ووصفها أيضا ابن ناظر الجيش في تثقيف التعريف ، والقلقشندي في «صبح الأعشى» . ولا نعلم أن أحدا من المختصين بالبادية وأحوالها أتى على
ذكرها ، مما يثبت صدق رواية الصايغ. واعتقادنا أنها زالت اليوم ، غير أن ذكرها بقي
محفوظا عند بدو الأردن ، فهم يقولون حفر ودفن ، و «حفار ودفان عليهما أدامة إلى
يوم القيامة».
ولا يسعنا هنا أن
نعدد جميع محاسن كتاب فتح الله الصايغ ، وفي قراءته أكبر برهان ، لأنه على الرغم من أخطائه
التاريخية وميل مؤلفه إلى الغلو ، وثيقة حية عن بلاد الشام وباديته. وهذا الاطراء
لا يعني أن صاحبه صدق في كل شيء. فقد يكون زاد في قصة لاسكاريس ونمقها ، ولكنها
ليست من مبتدعاته ،
__________________