رابطة متينة جدا وأثار محبة بينه وبين الدريعي عن بعد ، وبقي سعد باشتياق لرؤية الدريعي وانتظار قدومه عنده. فسررنا (١) جدا من هذا الخبر ، إذ كنا نفكر جدا بهذا الأمر ومهتمين به ، لعدم معرفتنا إذا كان سعد وقبائله سينجذب إلى طرفنا ، فليس هناك معرفة سابقة بينه وبين الدريعي ، ولا حدثت مكاتبة بينهما قط. وكان الناس يقولون عن سعد وتلك العربان أنهم جماعة غليظو العقل والفهم ، سمجو الأطباع ، وكانت هذه الفكرة تقلقنا جدا ، لأننا إذا لم نستطع أن نجذبهم إلى طرفنا ونضمهم إلى اتحادنا يحصل لنا تعب ، ويصبح الدخول إلى أرضهم عسيرا جدا علينا ، ويحيجنا (٢) إلى حروب ومخاصمات وأمور كثيرة. ولكن شكرنا الباري تعالى على هذا التوفيق الرباني ، وتسهيله الأمور معنا من كل الأطراف ، إذ قد هانت المادة جدا باكتساب محبة عرب الهند وصحبتهم. فتحسن الرأي عندنا وعند بعض كبار القبائل أن نتقدم بعض المرحلات (٣) إلى المشرق ، ونرسل إليه بمكتوب مع هجانة ، ونرى جوابه وعلى أي ١ / ٩٩ معنى ستكون مكاتبته معنا. فاعتمدنا على هذا الرأي ، وثاني يوم رحلنا بكامل / عرباننا وتقدمنا ونزلنا بأرض يقال لها منزلة صالح ، بها الماء والمرعى متوفران جدا. فأقمنا بها ثلاثة أيام ورحلنا ونزلنا منزلة يقال لها ريخ (٤) ، ليس بها ماء جارية بل في حفر. فحفر العرب حفائر بالأرض نحو ذراعين فقط فخرجت ماء عظيمة حلوة باردة. فكل سبعة أو ثمانية بيوت عملوا لهم حفيرة يستقون منها. فأقمنا أربعة أيام ورحلنا ونزلنا بأرض يقال لها المعدنية بها مجاري ماء وافرة. ولكن بعد هذه المنزلة ، مدة ثلاثة أيام ، لا يوجد ماء إلى رام صالح. فبعد أن أقمنا خمسة أيام في المعدنية نبّه الدريعي أن يأخذوا معهم فائضا (٥) من الماء ، فملأت جميع العربان رواياها وقربها وأجوادها (٦) ورحلنا. فأول يوم سرنا إلى المساء ونزلنا بأرض يقال لها الخربة ، من غير نصب بيوت ، لأن مرادنا أن نبكّر ونرحل بسبب عدم وجود الماء. وكان بتلك الأرض شكل حيوان صغير بقدر الطبوع أو أكبر قليلا ولكن يدخل بالأذنين (٧) وإذا دخل في أذن (٨) أحد ولم
__________________
(١) «فانبسطنا».
(٢) «يتكلف».
(٣) «كم مرحلة».
(٤) ريخ : موضع بخراسان (معجم البلدان).
(٥) «أفاذة ماء».
(٦) جود تجمع على أجودة.
(٧) «دان» والمثنى «دانين».
(٨) «دان» والمثنى «دانين».