ودخل على الشيخ أبو إبراهيم وترجاه. فركب الشيخ المذكور ومهنا وأربعة مشايخ قبائل من الذين مع مهنا ، وبصحبتهم نحو مئة خيال لا غير وحضروا عندنا ، وكنا نازلين على عاصي حماة. فأبقاهم جالسين في محل بعيد عنا نحو نصف ساعة ، وحضر وحده ليعلم مرادنا ، خوفا من أن لا يكون لنا رغبة في الصلح ، والحال أن الصلح كان جل مرادنا.
فحضر المذكور فترحبنا به وأظهرنا له (١) غاية الإكرام اللائق ، فابتدأ يتكلم بخصوص الصلح فصار الدريعي يعتذر ويمتنع فترجيناه نحن أيضا وقام ابنه سحن وقبّل يده وترجاه ، فأعطى كلاما بالصلح بشرط أن يضعوا أسماءهم وختومهم في ورقة الشروط. فأخذ الشيخ عساف على نفسه ضمان ذلك ، وركب للإتيان بهم فحضروا جميعهم ، فركضنا لملاقتهم وأنزلناهم بكل إكرام وإعزاز. فأمر الدريعي بالقهوة فقال مهنا : يا ابن شعلان لا نشرب قهوتك قبل أن نتصالح ونتصافح ونطمر الحصى (٢). وحالا قام مهنا والدريعي واشهرا سيفيهما وكل واحد قبّل سيف الآخر. ثم أنهما تصافحا مع بعضهما وصار كل من الحاضرين يقبل الآخر. وابتدأت النساء تهاهي وتزلغط. ثم أخذ مهنا سبع حصيات من الأرض وحفر مقدار نصف ذراع في الأرض ، وأمسك الحصيات بيده وقال : يا دريعي هذا حقك وحقي طمرناه إلى الأبد. ودفن الحصيات في الحفرة وردّ التراب عليها ، وداسها برجليه وتفل هو والدريعي عليها بعد الطمر ثم جلسا. وأمروا بالقهوة وما عدت تسمع كلمة واحدة مما يخص ذلك. فتعجبنا أنا والشيخ إبراهيم من ذلك لأننا ما كنا رأينا بعد هذه النكتة ولا سمعنا بها. فسألنا عن ذلك فأخبرونا أن ذلك من عاداتهم ، ومعنى السبع حصيات هي السبع فتن التي صارت ضد الإمام علي بالكوفة بعد محمد. وعلامة الطمر أن الشيء مات ولا عاد يذكر ، والتفل فوقه ٢ / ٧٩ يعني / على (٣) الشيطان خزاه الله ، لأنه هو محرك الشر بالعالم فهذا من جملة عاداتهم وتقاليدهم (٤).
__________________
(١) «وسقنا معه».
(٢) «الحصوات».
(٣) يبتدئ هنا الكرّاس رقم ١٠. أما التفل فمعناه البصاق.
(٤) «ذياتهم» (؟) ولعله يريد أزيائهم. إن عادة دفن الحصى طاعنة بالقدم وقد ذكرها شهاب الدين العمري وابن ناظر الجيش والقلقشندي ، ونظن أنها زالت اليوم أو آخذة بالزوال. (انظر مقالنا : رحلة فتح الله الصائغ إلى البادية ، مجلة العرب ص ٧٩٦ ، ج ١١ ، ١٣ ، سنة ١٤٠٦ ه كانون الثاني ، شباط ١٩٨٦ ، رياض).