ويطببه (١) ويخدمه ويعلله مدة ثلاثة أشهر ، حتى شفي واستراح [والتأمت] جميع جروحه ورجع كما كان بل أحسن. فقال له علوان : يا أخي فارس ـ وهذا اسم الشخص (٢) ـ أنت ولله الحمد استرحت ، فإن شاء خاطرك ذهبت بك عند أهلك. وإن شاء خاطرك تبقى عندي ، فأنا أخوك وزوجتي هذه امرأة أخيك ، والبيت بيتك ، أنت صاحب البيت وأنا ضيف عندك. فقال له فارس : أنت أخي ولولاك كانت بليت عظامي من زمان وأكلت لحمي الوحوش. فأين استطيع أن أجد أهلا أحسن منكم ، أنا لا أفارقكم ما دام في جسمي روح (٣). فانشرح علوان من هذا الكلام ، وزادت عنده قيمة فارس ، وسلمه البيت وتدبيره. وما كان هذا الكلام من فارس وسبب بقائه عند علوان إلا حبا بامرأة علوان ، وكان اسمها حفظة إذ عشقها وعشقته وغاصا بالمحبة لبعضهما ، وليس عند علوان شبهة ولا شك في فارس ولا يمكن قط أن يفّكر بشي من هذا القبيل حتى [بان له الصحيح وذلك أنهم] في ذات يوم أزمعوا على الرحيل على حسب عوائدهم. فركب علوان من الصبح على ذلوله وتوجه للصيد وقال لفارس : ارحل يا أخي مع الناس ، وأنا على معرفة بالمنزل الذي سترحلون إليه ، والمساء أكون عندكم. أما فارس فإنه كان على اتفاق مع زوجة علوان للهرب معا ، فرأى أن ذلك اليوم مناسب للهزيمة. فما كان كسلان وأرسل الطرش مع الطروش وحمل الحوائج والبيت ، وأرسل بهم مع غير ظعون. وكذلك فعل مع العجوز أم علوان أركبها ووضع ولدي علوان معها وهما صبي وبنت. أما هو وامرأة علوان فأخّر حالهما إلى آخر كل الناس فركب هو فرسا وزوجة علوان فرسا آخر وفرّا هاربين بكل سرعة طالبين عرب فارس. وأما العجوز أم علوان ، فإنها التفتت فلم تر أحدا وراءها فظنت أنهما مع العرب ماشيين. ولم يزل الناس سائرين حتى وصلوا إلى النزل المقصود. فنزلت العجوز مع الأولاد وانتظرتهما إلى المساء فلم يحضر أحد. فساورتها المخاوف ولم تنصب البيت لأنها لا تستطيع ذلك وحدها ، إلى أن غابت ١ / ٦١ الشمس وهجم الليل وإذ حضر علوان من الصيد فرأى أمه وأولاده وحدهم / يبكون والبيت لم يزل مرميا بالأرض. فسأل أمه عن جليلة الأمر وقال : أين أخي فارس وحفظة؟ فقالت : من المرحلة لم أرهما ، وعلى ظني أنهما ركبا الخيل وهربا. فتأكد له ذلك ، وقال : إني أستحق أكثر من ذلك. ولكن صدق من قال : ابعج القربة واقتل السقا ، خير لا تعمل شر لا تلقى. فنام
__________________
(١) «ويحكمه».
(٢) «الزلمه».
(٣) «ما دام فيه روح بالعالم».