أطول ، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا ، فمررت ذات يوم وحدي ، فإذا أنا فيه برجل طويل عليه ثياب شعر ، نعلاه (١) من شعر ، فأشار إلي فدنوت منه ، فقال : يا غلام ؛ تعرف عيسى بن مريم؟ فقلت : لا ، ولا سمعت به ، فقال : أتدري من عيسى بن مريم؟ هو رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ آمن بعيسى. إنه رسول الله ، وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها. قلت : ما نعيم الآخرة؟ قال : نعيمها لا يفنى ، وهوانها لا يفنى ، فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه ، فعلقه فؤادي (٢) وفارقت أصحابي ، وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي وكانت أمي ترسلني إلى الكتّاب فأنقطع دونه ، وكان أول ما علمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن عيسى بن مريم رسول الله ، ومحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعده رسول الله ، والإيمان بالبعث بعد الموت فأعطيته ذلك ، وعلمني القيام في الصلاة ، وكان يقول : إذا قمت (٣) في الصلاة فاستقبلت القبلة فإن احتوشتك النار فلا تلتفت (٤) ، وإن دعتك أمك وأبوك في الصلاة الفريضة لا تلتفت ، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله ، فإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها ، فإنه لا يدعوك إلا بوحي من الله ، وأمرني بطول القنوت ، وزعم أنّ عيسى بن مريم قال : طول القنوت الأمان على الصراط ، وأمرني بطول السجود ، وزعم أن ثواب طول السجود الأمان من عذاب القبر ، وقال : لا تكونن مازحا ولا حادا (٥) تسلم عليك ملائكة الله أجمعين ، وقال : لا تعصين في
__________________
ـ حيث يدل على المغايرة بين جيّ وأصبهان ، مع أن جيّا كانت في القديم ـ هي أصبهان» ، فالتعبير الأولى فيه أن يقال : إن أصله من فارس من رامهرمز ، ويقال : من أصبهان من قرية جيّ. والله أعلم.
(١) في النسختين : نعليه ، والصواب نعلاه كما أثبته.
(٢) في أ ـ ه : (فرادي) ، والصواب ما أثبته من الأصل.
(٣) في النسختين (قمتم) ، والتصحيح من سياق العبارة.
(٤) أي أحاطت بك النار وأفزعتك ونفرتك ، انظر «القاموس» ٢ / ٢٧١.
(٥) أي شديد الغضب. قال في «لسان العرب» : والحدة ما يعتري الإنسان بالنزق والغضب. انظر ١ / ٥٨٤.