وصورته على ما يناسبه من الإتقان لم يجعل خلق الإنسان في خلق البهائم ، ولا خلق البهائم في خلق الإنسان ولكن خلق كل شيء فقدره تقديرا. وقال الشاعر :
وله في كل شيء خلقة |
|
وكذلك الله ما شاء فعل |
وهذا قول مجاهد وعطية ومقاتل وقال الضحاك (خَلْقَهُ) من المنفعة المنوطة به المطابقة له (ثُمَّ هَدى) أي يسر كل شيء لمنافعه ومرافقه ، فأعطى العين الهيئة التي تطابق الإبصار ، والأذن الشكل الذي يوافق الاستماع ، وكذلك الأنف واليد والرجل واللسان كل واحد منها مطابق لما علق به من المنفعة غير ناب عنه. قال القشيري : والخلق المخلوق لأن البطش والمشي والرؤية والنطق معان مخلوقة أودعها الله للأعضاء ، وعلى هذا مفعول (أَعْطى) الأول (كُلَّ شَيْءٍ) والثاني (خَلْقَهُ) وكذا في قول ابن عباس وابن جبير والسدّي وهو أن المعنى (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ) مخلوقه من جنسه أي كل حيوان ذكر نظيره أنثى في الصورة. فلم يزاوج منهما غير جنسه ثم هداه إلى منكحه ومطعمه ومشربه ومسكنه. وعن ابن عباس أنه هداه إلى إلفه والاجتماع به والمناكحة. وقال الحسن وقتادة (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ) صلاحه وهداه لما يصلحه.
وقيل (كُلَّ شَيْءٍ) هو المفعول الثاني لأعطى و (خَلْقَهُ) المفعول الأول أي (أَعْطى) خليقته (كُلَّ شَيْءٍ) يحتاجون إليه ويرتفقون به. وقرأ عبد الله وأناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو نهيك وابن أبي إسحاق والأعمش والحسن ونصير عن الكسائي وابن نوح عن قتيبة وسلام خلقه بفتح اللام فعلا ماضيا في موضع الصفة لكل شيء أو لشيء ، ومفعول (أَعْطى) الثاني حذف اقتصارا أي (كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) لم يخله من عطائه وإنعامه (ثُمَّ هَدى) أي عرف كيف يرتفق بما أعطى وكيف يتوصل إليه. وقيل : حذف اختصارا لدلالة المعنى عليه ، أي (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ) ما يحتاج إليه وقدره ابن عطية كماله أو مصلحته.
(قالَ : فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) لما أجابه موسى بجواب مسكت ، ولم يقدر فرعون على معارضته فيه انتقل إلى سؤال آخر وهو ما حال من هلك من القرون ، وذلك على سبيل الروغان عن الاعتراف بما قال موسى وما أجابه به ، والحيدة والمغالطة. قيل : سأله عن أخبارها وأحاديثها ليختبر أهما نبيان أو هما من جملة القصّاص الذين دارسوا قصص الأمم السالفة ، ولم يكن عنده عليهالسلام علم بالتوراة إنما أنزلت عليه بعد هلاك فرعون فقال