والمعنى : جبالا رواسي ، وفواعل الوصف لا يطرد إلا في الإناث ، إلا أنّ جمع التكسير من المذكر الذي لا يعقل يجري مجرى جمع الإناث. وأيضا فقد غلب على الجبال وصفها بالرواسي ، وصارت الصفة تغني عن الموصوف ، فجمع جمع الاسم كحائط وحوائط وكاهل وكواهل. وقيل : رواسي جمع راسية ، والهاء للمبالغة ، وهو وصف الجبل. كانت الأرض مضطربة فثقلها الله بالجبال في أحيازها فزال اضطرابها ، والاستدلال بوجود الجبال على وجود الصانع القادر الحكيم. قيل : من جهة أنّ طبيعة الأرض واحدة ، فحصول الجبل في بعض جوانبها دون بعض لا بد أن يكون بتخليق قادر حكيم ، ومن جهة ما يحصل منها من المعادن الجوهرية والرخامية وغيرها كالنفط والكبريت يكون الجبل واحدا في الطبع ، وتأثير الشمس واحد دليل على أنّ ذلك بتقدير قادر قاهر متعال عن مشابهة الممكنات ، ومن جهة تولد الأنهار منها. قيل : وذلك لأنّ الجبل جسم صلب ، ويتصاعد بخاره من قعر الأرض إليه ويحتبس هناك ، فلا يزال يتكامل فيه فيحصل بسببه مياه كثيرة ، فلقوتها تشق وتخرج وتسيل على وجه الأرض ، ولهذا في أكثر الأمر إذا ذكر الله تعالى الجبال ذكر الأنهار كهذه الآية. وكقوله : (وَجَعَلْنا فِيها رَواسِيَ شامِخاتٍ وَأَسْقَيْناكُمْ ماءً فُراتاً) (١) (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً) (٢) فقال المفسرون : الأنهار المياه الجارية في الأرض. وقال الكرماني : مسيل الماء ، وتقدم الكلام في الأنهار في أوائل سورة البقرة. والظاهر أنّ قوله : من كل الثمرات متعلق بجعل. ولما ذكر الأنهار ذكر ما ينشأ عنها وهو الثمرات ، والزوج هنا الصنف الواحد الذي هو نقيض الاثنين ، يعني أنه حين مد الأرض جعل ذلك ، ثم تكثرت وتنوعت. وقيل : أراد بالزوجين الأسود والأبيض ، والحلو والحامض ، والصغير والكبير ، وما أشبه ذلك من الأصناف المختلفة. وقال ابن عطية : وهذه الآية تقتضي أن كل ثمرة موجود فيها نوعان ، فإن اتفق أن يوجد من ثمرة أكثر من نوعين فغير ضار في معنى الآية. وقال الكرماني : الزوج واحد ، والزوج اثنان ، ولهذا قيد ليعلم أنّ المراد بالزوج هنا الفرد لا التثنية ، فيكون أربعا. وخص اثنين بالذكر ، وإن كان من أجناس الثمار ما يزيد على ذلك لأنه الأقل ، إذ لا نوع تنقص أصنافه عن اثنين انتهى. ويقال : إن في كل ثمرة ذكر وأنثى ، وأشار إلى ذلك الفراء. وقال أبو عبد الله الرازي : لما خلق الله تعالى العالم وخلق فيه الأشجار ، خلق من كل نوع من الأنواع اثنين فقط. فلو قال : خلق
__________________
(١) سورة المرسلات : ٧٧ / ٢٧.
(٢) سورة النحل : ١٦ / ١٥.