الكلام حذف تقديره : فتعلق يوسف بحبل الدلو ، فلما بصر به المدلي قال : يا بشراي. وتعلقه بالحبل يدل على صغره ، إذ لو كان ابن ثمانية عشر أو سبعة عشر لم يحمله الحبل غالبا ، ولفظه غلام ترجح ذلك ، إذ يطلق عليه ما بين الحولين إلى البلوغ حقيقة ، وقد يطلق على الرجل الكامل لقول ليلى الأخيلية في الحجاج بن يوسف :
غلام إذا هز القناة سقاها
وقوله : يا بشراي هو على سبيل السرور والفرح بيوسف ، إذ رأى أحسن ما خلق. وأبعد السدّي في زعمه أنّ بشرى اسم رجل ، وأضاف البشرى إلى نفسه فكأنه قال تعالى : فهذا من آونتك. وقرأ يا بشرى بغير إضافة الكوفيون ، وروى ورش عن نافع : يا بشراي : بسكون ياء الإضافة ، وهو جمع بين ساكنين على غير حدة وتقدم تقرير مثله في (وَمَحْيايَ) (١) وقرأ أبو الطفيل ، والحسن ، وابن أبي إسحاق ، والجحدري : يا بشرى بقلب الألف ياء وإدغامها في ياء الإضافة ، وهي لغة لهذيل. ولناس غيرهم تقدم الكلام عليها في البقرة ، في (فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ) (٢) قيل : ذهب به الوارد ، فلما دنا من أصحابه صاح بذلك ، فبشرهم به وأسروه. الظاهر أنّ الضمير للسيارة التي الوارد منهم أي : أخفوه من الرفقة ، أو كتموا أمره من وجدانهم له في الجب وقالوا : دفعه إلينا أهل الماء لنبيعه لهم بمصر. وقال ابن عباس : الضمير في وأسروه وشروه لإخوة يوسف ، وأنهم قالوا للرفقة : هذا غلام قد أبق لنا فاشتروه منا ، وسكت يوسف مخافة أن يقتلوه ، وذلك أنه روي أن بعضهم رجع إلى الجب ليتحققوا أمر يوسف ويقفوا على الحقيقة من فقده ، فلما علموا أن الوارد قد أخذوه ، جاؤوهم وقالوا تلك المقالة. وانتصب بضاعة على الحال أي : متجرا لهم ومكسبا. والله عليم بما يعملون أي : لم تخف عليه أسرارهم ، وهو وعيد لهم حيث استبضعوا ما ليس لهم ، أو والله عليم بعمل إخوة يوسف بأبيهم وأخيهم من سوء الصنع ، وفي ذلك أعظم تذكار بما فعلوا بيوسف قيل : أوحى الله إليه في الجب أن لا يطلع أباه ولا غيره على حاله ، لحكمة أراد إمضاءها ، وظهر بعد ذلك ما جرى له من جعله على خزائن الأرض ، وإحواج إخوته إليه ، ورفع أبويه على العرش ، وما جرى مجرى ذلك مما كان مكنونا في القدر.
(وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ. وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٢.
(٢) سورة البقرة : ٣ / ٣٨.