والشباب بعد الهرم ، والسرور بعد الكرب. والظاهر أن قوله : إني أعلم ، محكي بالقول ويريد به إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله ، وأعلم من الله ما لا تعلمون. فقيل : ما لا تعلمون من حياة يوسف ، وأن الله يجمع بيننا وبينه. وقيل : من صحة رؤيا يوسف عليهالسلام ، وقيل : من بلوى الأنبياء بالحزن ، ونزول الفرج ، وقيل : من إخبار ملك الموت إياي ، وكان أخبره أنه لم يقبض روحه. وقال ابن عطية : ما لا تعلمون هو انتظاره لتأويل الرؤيا ، ويحتمل أن يشير إلى حسن ظنه بالله فقط. وقال الزمخشري : ألم أقل لكم يعني قوله : إني لأجد ريح يوسف ، أو قوله : ولا تيأسوا من روح الله. وقوله : إني أعلم ، كلام مبتدأ لم يقع عليه القول انتهى. وهو خلاف الظاهر الذي قدمناه. ولما رجع إليه بصره وقرت عينه بالمسير إلى ابنه يوسف ، وقررهم على قوله : ألم أقل لكم؟ طلبوا منه أن يستغفر لهم الله لذنوبهم ، واعترفوا بالخطأ السابق منهم ، وسوف أستغفر لكم : عدة لهم بالاستغفار بسوف ، وهي أبلغ في التنفيس من السين. فعن ابن مسعود : أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر. وعن ابن عباس : إلى ليلة الجمعة ، وعنه : إلى سحرها. قال السدي ، ومقاتل ، والزجاج : أخر لإجابة الدعاء ، لا ضنة عليهم بالاستغفار. وقالت فرقة : سوف إلى قيام الليل. وقال ابن جبير وفرقة : إلى الليالي البيض ، فإن الدعاء فيها يستجاب. وقال الشعبي : أخره حتى يسأل يوسف ، فإن عفا عنهم استغفر لهم. وقيل : أخرهم ليعلم حالهم في صدق التوبة وإخلاصها. وقيل : أراد الدوام على الاستغفار لهم. ولما وعدهم بالاستغفار رجاهم بحصول الغفران بقوله : إنه هو الغفور الرحيم.
(فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ. وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) : في الكلام حذف تقديره : فرحل يعقوب بأهله أجمعين ، وساروا حتى تلقوا يوسف. قيل : وجهز يوسف إلى أبيه جهازا ، ومائتي راحلة ليتجهز إليه بمن معه ، وخرج يوسف قيل : والملك في أربعة آلاف من الجند والعظماء وأهل مصر بأجمعهم ، فتلقوا يعقوب عليهالسلام وهو يمشي يتوكأ على يهوذا ، فنظر إلى الخيل والناس فقال : يا يهوذا أهذا فرعون مصر؟ فقال : لا ، هذا ولدك. فلما لقيه يعقوب عليهالسلام