وكذلك قال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً) (١) وقال ابن عباس : يعني رجالا لا نساء ، فالرسول لا يكون امرأة ، وهل كان في النساء نبية فيه خلاف؟ والنبي أعم من الرسول ، لأنه منطلق على من يأتيه الوحي سواء أرسل أو لم يرسل ، قال الشاعر في سجاح المتنبئة :
أمست نبيتنا أنثى نطيف بها |
|
ولم تزل أنبياء الله ذكرانا |
فلعنة الله والأقوام كلهم |
|
على سجاح ومن بالإفك أغرانا |
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت |
|
أصداؤه ماء مزن أينما كانا |
وقرأ أبو عبد الرحمن ، وطلحة ، وحفص : نوحي بالنون وكسر الحاء ، موافقا لقوله : وما أرسلنا. وقرأ الجمهور بالياء وفتح الحاء مبنيا للمفعول. والقرى المدن. قال ابن زيد : أهل القرى أعلم وأحلم من أهل البادية ، فإنهم قليل نبلهم ، ولم ينشىء الله قط منهم رسولا. وقال الحسن : لم يبعث الله رسولا من أهل البادية ، ولا من النساء ، ولا من الجن. والتبدي مكروه إلا في الفتن ، ففي الحديث : «من بدا جفا» ثم استفهم استفهام توبيخ وتقريع. والضمير في يسيروا عائد على من أنكر إرسال الرسل من البشر ، ومن عاند الرسول وأنكر رسالته كفر أي : هلا يسيرون في الأرض فيعلمون بالتواتر أخبار الرسل السابقة ، ويرون مصارع الأمم المكذبة ، فيعتبرون بذلك؟ ولدار الآخرة خير ، هذا حض على العمل لدار الآخرة والاستعداد لها ، واتقاء المهلكات. ففي هذه الإضافة تخريجان : أحدهما : أنها من إضافة الموصوف إلى صفته ، وأصله : ولدار الآخرة. والثاني : أن يكون من حذف الموصوف وإقامة صفته مقامه ، وأصله : ولدار المدة الآخرة أو النشأة الآخرة. والأول : تخريج كوفي ، والثاني : تخريج بصرى.
وقرأ الجمهور : أفلا يعقلون بالياء رعيا لقوله : أفلم يسيروا. وقرأ الحسن ، وعلقمة ، والأعرج ، وعاصم ، وابن عامر ، ونافع : بالتاء على خطاب هذه الأمة تحذيرا لهم مما وقع فيه أولئك ، فيصيبهم ما أصابهم. قال الكرماني : أفلا يعقلون أنها خير ، فيتوسلوا إليها بالإيمان انتهى. والاستيئاس من النصر ، أو من إيمان قومهم قولان. وحتى غاية لما قبلها ، وليس في اللفظ ما يكون له غاية ، فاحتيج إلى تقدير فقدره الزمخشري : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا ، فتراخى نصرهم حتى إذا استيأسوا عن النصر. وقال ابن عطية : ويتضمن قوله : أفلم يسيروا إلى ما قبلهم ، أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى دعوهم فلم
__________________
(١) سورة الأنعام : ٦ / ٩٠.