فاحتيج إلى اعتقاد تضمين برح بمعنى فارق ، فانتصب الأرض على أنه مفعول به. ولا يجوز أن تكون ناقصة لأنه لا ينعقد من اسمها ، والأرض المنصوب على الظرف مبتدأ وخبر ، لأنه لا يصل إلا بحرف في. لو قلت : زيد الأرض لم يجز ، وعني بالأرض أرض مصر التي فيها الواقعة ، ثم غيا ذلك بغايتين : إحداهما : خاصة وهي قوله : حتى يأذن لي أبي ، يعني في الانصراف إليه. والثانية : عامة وهي قوله : أو يحكم الله لي ، لأنّ إذن الله له هو من حكم الله له في مفارقة أرض مصر. وكأنه لما علق الأمر بالغاية الخاصة رجع إلى نفسه فأتى بغاية عامة تفويضا لحكم الله تعالى ، ورجوعا إلى من له الحكم حقيقة ، ومقصوده التضييق على نفسه ، كأنه سجنها في القطر الذي أداه إلى سخط أبيه إبلاء لعذره. وحكم الله تعالى له بجميع أنواع العذر كالموت ، وخلاص أخيه ، أو انتصافه من أخذ أخيه. وقال أبو صالح : أو يحكم الله لي بالسيف ، أو غير ذلك. والظاهر أن أو يحكم معطوف على يأذن. وجوز أن يكون منصوبا بإضمار أن بعد أو في جواب النفي ، وهو : فلن أبرح الأرض أي : إلا أن يحكم الله لي ، كقولك : لألزمنك أو تقضيني حقي ، أي : إلا أن تقضيني ، ومعناها ومعنى الغاية متقاربان.
روي أنهم لما وصلوا إلى يعقوب أخبروه بالقصة فبكى وقال : يا بني ما تذهبون عني مرة إلا نقصتم ، ذهبتم فنقصتم شمعون حيث ارتهن ، ثم ذهبتم فنقصتم بنيامين وروبيل. والظاهر أنّ الأمر بالرجوع هو من قول كبيرهم. وقيل : من قول يوسف لهم. وقرأ الجمهور : سرق ثلاثيا مبنيا للفاعل ، إخبارا بظاهر الحال. وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، والكسائي في رواية سرق بتشديد الراء مبنيا للمفعول ، لم يقطعوا عليه بالسرقة بل ذكروا أنه نسب إلى السرقة. ويكون معنى : وما شهدنا إلا بما علمنا من التسريق. وما كنا للغيب أي : للأمر الخفي حافظين ، أسرق بالصحة أم دس الصاع في رحله ولم يشعر؟ وقرأ الضحاك : سارق اسم فاعل ، وعلى قراءة سرق وسارق اختلف التأويل في قوله : إلا بما علمنا. قال الزمخشري : بما علمنا من سرقته ، وتيقنا لأنّ الصواع أخرج من وعائه ، ولا شيء أبين من هذا. وقال ابن عطية : أي ، وقولنا لك إن ابنك سرق إنما هي شهادة عندك بما علمناه من ظاهر ما جرى ، والعلم في الغيب إلى الله تعالى ليس ذلك في حفظنا ، هذا قول ابن إسحاق. وقال ابن زيد : أرادوا وما شهدنا به عند يوسف أن السارق يسترق في شرعك ، إلا بما علمنا من ذلك ، وما كنا للغيب حافظين أنّ السرقة تخرج من رحل أحدنا ، بل حسبنا أن ذلك لا يكون البتة ، فشهدنا عنده حين سألنا بعلمنا. ويحتمل قوله : وما كنا للغيب حافظين