حاله التي بلغها من الملك والسلطان عن حالته التي فارقوه عليها طريحا في البئر مشريّا بدراهم معدودة ، حتى لو تخيل لهم أنه هو لكذبوا أنفسهم. ولأن الملك مما يبدل الزي ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر منه المعروف. وقيل : رأوه على زي فرعون عليه ثياب الحرير جالسا على سرير في عنقه طوق من ذهب ، وعلى رأسه تاج ، فما خطر لهم أنه هو. وقيل : ما رأوه إلا من بعيد بينهم وبينه مسافة وحجاب ، وما وقفوا إلا حيث يقف طلاب الحوائج.
ولما جهزهم بجهازهم ، وكان الجهاز الذي لهم هو الطعام الذي امتاروه. وفي الكلام حذف تقديره : وقد كان استوضح منهم أنهم لهم أخ قعد عند أبيهم. روي أنه لما عرفهم أراد أن يخبروه بجميع أمرهم ، فباحثهم بأن قال لهم ترجمانه : أظنكم جواسيس ، فاحتاجوا إلى التعريف بأنفسهم فقالوا : نحن أبناء رجل صديق ، وكنا اثنى عشر ، ذهب منا واحد في البرية ، وبقي أصغرنا عند أبينا ، وجئنا نحن للميرة ، وسقنا بعير الباقي منا وكانوا عشرة ولهم أحد عشر بعيرا. فقال لهم يوسف : ولم تخلف أحدكم؟ قالوا : لمحبة أبينا فيه قال : فأتوني بهذا الأخ حتى أعلم حقيقة قولكم ، وأرى لم أحبه أبوكم أكثر منكم إن كنتم صادقين؟ وأورد الزمخشري هذا القصص بألفاظ أخر تقارب هذه في المعنى ، وفي آخره قال : فمن يشهد لكم أنكم لستم بعيون ، وأن الذي تقولون حق؟ قالوا : إنا ببلاد لا يعرفنا فيها أحد يشهد لنا. قال : فدعوا بعضكم عندي رهينة وائتوني بأخيكم من أبيكم وهو يحمل رسالة من أبيكم حتى أصدقكم ، فاقترعوا فأصاب القرعة شمعون ، وكان أحسنهم رأيا في يوسف ، فخلفوه عنده ، وكان قد أحسن إنزالهم وضيافتهم. وقيل : لم يرتهن أحدا ، وروي غير هذا في طلب الأخ من أبيهم. قيل : كان يوسف ملثما أبدا سترا لجماله ، وكان ينقر في الصواع فيفهم من طنينه صدق الحديث أو كذبه ، فسئلوا عن أخبارهم ، فكلما صدقوا قال لهم : صدقتم ، فلما قالوا : وكان لنا أخ أكله الذئب أطن يوسف الصواع وقال : كذبتم ، ثم تغير لهم وقال : أراكم جواسيس ، وكلفهم سوق الأخ الباقي ليظهر صدقهم. وقرىء : بجهازهم بكسر الجيم ، وتنكر أخ ، ولم يقل بأخيكم وإن كان قد عرفه وعرفهم مبالغة في كونه لا يريد أن يتعرف لهم ، ولا أنه يدري من هو. ألا ترى فرقا بين مررت بغلامك ، ومررت بغلام لك؟ إنك في التعريف تكون عارفا بالغلام ، وفي التنكير أنت جاهل به. فالتعريف يفيد فرع عهد في الغلام بينك وبين المخاطب ، والتنكير لا عهد فيه البتة. وجائز أن تخبر عمن تعرفه إخبار النكرة فتقول : قال رجل لنا وأنت تعرفه لصدق إطلاق النكرة على