وقوع إن للتعليق على المستحيل قليل ، وهذه الآية من ذلك. ولما خفي هذا الوجه على أكثر الناس اختلفوا في تخريج هذه الآية ، فقال ابن عطية : الصواب أنها مخاطبة للنبي صلىاللهعليهوسلم ، والمراد بها سواه من كل من يمكن أن يشك أو يعارض انتهى. ولذلك جاء : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) (١) وقال قوم : الكلام بمنزلة قولك : إن كنت ابني فبرني ، وليس هذا المثال بجيد ، وإنما مثال هذه قوله تعالى لعيسى عليهالسلام : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ) (٢) انتهى. وهذا القول مروي عن الفراء. قال الكرماني : واختاره جماعة ، وضعف بأنه يصير تقدير الآية : أأنت في شك؟ إذ ليس في الآية ما يدل على نفي الشك. وقيل : كنى هنا بالشك عن الضيق أي : فإن كنت في ضيق من اختلافهم فيما أنزل إليك وتعنتهم عليك. وقيل : كنى بالشك عن العجب أي : فإن كنت في تعجب من عناد فرعون. ومناسبة المجاز أنّ التعجب فيه تردد ، كما أن الشك تردد بين أمرين. وقال الكسائي : معناه إن كنت في شك أنّ هذا عادتهم مع الأنبياء فسلهم كيف كان صبر موسى عليهالسلام حين اختلفوا عليه؟ وقال الزمخشري : فإن كنت في شك بمعنى العرض والتمثيل ، كأنه قيل : فإن وقع لك شك مثلا وخيل لك الشيطان خيالا منه تقديرا فسئل الذين يقرؤون الكتاب ، والمعنى : أن الله تعالى قدم ذكر بني إسرائيل وهم قرأة الكتاب ، ووصفهم بأن العلم قد جاءهم ، لأنّ أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، فأراد أن يؤكد عليهم بصحة القرآن وصحة نبوّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، ويبالغ في ذلك فقال تعالى : فإن وقع لك شك فرضا وتقديرا وسبيل من خالجته شبهة في الدين أن يسارع إلى حلها وإماطتها ، إما بالرجوع إلى قوانين الدين وأدلته ، وإما بمقادحة العلماء المنبهين على الحق انتهى. وقيل أقوال غير هذه ، وقرأ يحيى وابراهيم : يقرؤون الكتب على الجمع. والحق هنا : الإسلام ، أو القرآن ، أو النبوة ، أو الآيات ، والبراهين القاطعة ، أقوال. فاثبت ودم على ما أنت فيه من انتفاء المرية والتكذيب ، والخطاب للسامع غير الرسول. وكثيرا ما يأتي الخطاب في ظاهره لشخص ، والمراد غيره. وروي أنه عليهالسلام قال : «لا أشك ولا أسأل بل أشهد أنه الحق» وعن ابن عباس : والله ما شك طرفة عين ، ولا سأل أحدا منهم. والامتراء التوقف في الشيء والشك فيه ، وأمره أسهل من أمر المكذب فبدىء به أولا فنهى عنه ، واتبع بذكر المكذب ونهى أن يكون منهم.
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١٠٤.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ١١٦.