يغرق ، وكان مطرحه على ممر بني إسرائيل حتى قيل لمن خلفك آية. وقيل : لمن يأتي بعدك من القرون ، وقيل : لمن بقي من قبط مصر وغيرهم. وقرىء : لمن خلفك بفتح اللام أي : من الجبابرة والفراعنة ليتعظوا بذلك ، ويحذروا أن يصيبهم ما أصابك إذا فعلوا فعلك. ومعنى كونه آية : أن يظهر للناس عبوديته ومهانته ، أو ليكون عبرة يعتبر بها الأمم. وقرأت فرقة : لمن خلقك من الخلق وهو الله تعالى أي : ليجعلك الله آية له في عباده. وقيل : المعنى ليكون طرحك على الساحل وحدك ، وتمييزك من بين المغرقين لئلا يشتبه على الناس أمرك ، ولئلا يقولوا لادعائك العظمة : إنّ مثله لا يغرق ولا يموت ، آية من آيات الله التي لا يقدر عليها غيره ، وإنّ كثيرا من الناس ظاهره الناس كافة ، قاله الحسن. وقال مقاتل ؛ من أهل مكة عن آياتنا أي : العلامات الدالة على الوحدانية وغيرها من صفات العلى ، لغافلون لا يتدبرون ، وهذا خبر في ضمنه توعد.
(وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) : لما ذكر تعالى ما جرى لفرعون وأتباعه من الهلاك ، ذكر ما أحسن به لبني إسرائيل وما امتن به عليهم ، إذ كان بنو إسرائيل قد أخرجوا من مساكنهم خائفين من فرعون ، فذكر تعالى أنه اختار لهم من الأماكن أحسنها. والظاهر أنّ بني إسرائيل هم الذين كانوا آمنوا بموسى ونجوا من الغرق ، وسياق الآيات يشهد لهم. وقيل : هم الذين كانوا بحضرة النبي صلىاللهعليهوسلم من بني إسرائيل قريظة والنضير وبني قينقاع ، وانتصب مبوأ صدق على أنه مفعول ثان لبوأنا كقوله : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً) (١) وقيل : يجوز أن يكون مصدرا. ومعنى صدق أي : فضل وكرامة ومنة (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) (٢). وقيل : مكان صدق الوعد ، وكان وعدهم فصدقهم وعده. وقيل : صدق تصدّق به عليهم ، لأن الصدقة والبر من الصدق. وقيل : صدق فيه ظن قاصده وساكنه. وقيل : منزلا صالحا مرضيا ، وعن ابن عباس : هو الأردن وفلسطين. وقال الضحاك وابن زيد ، وقتادة : الشام وبيت المقدس. وقال مقاتل : بيت المقدس. وعن الضحاك أيضا : مصر ، وعنه أيضا : مصر والشام. قال ابن عطية : والأصح أنه الشام وبيت المقدس بحسب ما حفظ من أنهم لم يعودوا إلى مصر ، على أنه في القرآن كذلك. (وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) (٣) يعني ما ترك القبط من جنات وعيون وغير ذلك. وقد يحتمل أن يكون
__________________
(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٥٨.
(٢) سورة القمر : ٥٤ / ٥٥.
(٣) سورة الشعراء : ٢٦ / ٥٩.