ثم سار الفرنج إلى باب حلب ، فكبسوا في طريقهم حاضر طيّء وغيرها ، فخرج إليهم الحاجب ناصر والعسكر فكسروهم وقتلوا منهم جماعة.
وخرج بغدوين في جمادى الآخرة ، فنازل خناصرة ، وأخذها وخرّبها ، وحمل باب حصنها إلى أنطاكية ، ونزل برج سينا ففعل به كذلك ، وكذلك فعل بغيرهما من حصون النّقرة والأحصّ ، وسبى وأحرق ونهب.
وعاد فنزل صلدع ـ على نهر قويق ـ وخرج إليه اتزز بن ترك طالبا منه الصّلح مع سليمان ، فقال : «على شرط أن يعطيني سليمان الأثارب حتى أحفظه ، وأنا أذبّ عنه وأقاتل دونه» ، فقال له : «ما يجوز أن يسلّم ثغرا من ثغور حلب في بدوّ مملكته ، بل التمس غير هذا ممّا يمكن ليوافقك عليه» فقال له : «الأثارب لا يقدر صاحب حلب على حفظها ، فانّي قد عمرت عليها الحصون بما دارت ، وأنا أعلمكم أنّها اليوم تشبه فرسا لفارس قد عطبت يداها ، وللفارس هري شعير (١) ، يعلفها رجاء أن تبرأ ويكسب عليها ، فنفد هري الشّعير ، وعطبت الفرس ، وفاته الكسب». ثمّ رحل نحوها ، فحصرها ثلاثة أيّام ، واتّصل به ما أوجب رحيله إلى أنطاكية.
ولما بلغ إيلغازي إصرار ولده على العصيان ضاقت عليه الأرض ، وأعمل في الوصول إليه وأخذ حلب منه ، فكاتبه أقوام وعرفوه أن ما بحلب من يدفعه عنها ، فسار حتى وصل إلى قلعة جعبر فضعفت نفس ابنه سليمان
__________________
(١) الهري بيت كبير يجمع فيه طعام السلطان. القاموس.